حتى لو أن الانتخابات "التشريعية"! التي أجراها نظام الرئيس السوري بشار الأسد أمس الأول، لم توصف في الغرب بأنها "مهزلة شنيعة"، وأنها مسرحية سخيفة، فإن إجراءها بينما سورية تعيش كل هذه الأوضاع المأساوية فعلاً يدل على أن هذا النظام مرتبك وفاقد لتوازنه، وأنه يحاول الاختباء وراء إصبعه كي لا يرى ما أصبحت عليه بلده بعد نحو أربعة عشر شهراً من أحداث كانت بدأت كاحتجاجات سلمية ثم تحولت إلى كل هذا العنف، بسبب تصرفاته الحمقاء ونزعته الدموية.

Ad

ليس مهماً أن يقنع هذا النظام نفسه ويقنع أتباعه وحلفاءه، سواء داخل سورية نفسها أو خارجها، فالمهم هو الشعب السوري الذي رأى في كل ما جرى أمس الأول مهزلة حقيقية، ورأى أن إجراء هذه الانتخابات البائسة يدل على أن نظام بشار الأسد أصبح في حالة يُرثى لها، وأنه غدا كالغريق الذي يطلب النجاة من خلال التمسك بزبد البحر، وكمسافر الصحراء ليلاً الذي يحاول التغلب على ضربات قلبه باللجوء إلى الحداء بصوت مرتفع.

لا ضرورة للطعن في هذه الانتخابات، التي كانت مسرحية سيئة الإعداد والإخراج ومضحكة ومبكية في الوقت ذاته، من خلال الإشارة إلى التقارير، ومن بينها تقارير المراقبين الدوليين، التي قالت إن أعداد الذين زاروا صناديق الاقتراع، حتى في المدن والمناطق التي للنظام سيطرة عليها، تكاد تكون شبه معدومة، وإن كل الذين ذهبوا للإدلاء بأصواتهم من الموظفين، ومن منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ذهبوا رغم أنوفهم وتحت ضغط التهديد بطردهم من وظائفهم وبقطع أرزاقهم.

فكل هذا معروف ليس في هذه المرة فقط وإنما في كل المرات السابقة، وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً من عمر هذا النظام، وهذا لا ضرورة للحديث عنه والسعي لإثباته، لكن ما يجب التوقف عنده والتندر به هو كيف أن هذا النظام لا يكترث بكل هذا الذي يجري في بلده؟ وكيف يصل استهتاره بالدماء، التي تسيل يومياً، وبأعداد الضحايا التي وصلت إلى عشرات الألوف إلى هذا المستوى الذي لا يدل على الشجاعة بل على الخوف والارتباك وعدم القدرة على قياس الأمور بمقاسات صحيحة؟

كان يجب أن يضع أصحاب هذا النظام السوري أيديهم على عيونهم خجلاً وهم يرون أن فرنسا أجرت انتخابات وصلت نسبة الإقبال عليها إلى أرقام فلكية، وأن نيكولاي ساركوزي، الذي لم يحالفه الحظ، أبلغ شعبه بكل شجاعة ورجولة أنه خسر المعركة، وأنه هنأ منافسه فرانسوا هولاند بالنصر الذي حققه، وطلب من هذا الشعب، الذي حقق أجداده أحد أكبر الإنجازات التاريخية، وهو الثورة الفرنسية العظيمة، احترام وتقدير رئيسه الجديد... ويبقى أن نقول: أي عرس ديمقراطي هذا العرس المضحك؟!