كل العرب يتابعون معركة الانتخابات الرئاسية المصرية، وكأنها في بلدانهم، وهذه مسألة طبيعية، فمصر تبقى الدولة الطلائعية العربية رغم تراجع دورها العربي والإقليمي في السنوات الأخيرة، ولهذا فإن هناك انحيازات تجاهها مثل انحيازات المصريين أنفسهم، فالبعض عربياً يؤيد مرشحي التيارات الإسلامية، والبعض الآخر يؤيد مرشحي التيارات التي توصف بأنها "ليبرالية"، أو "علمانية"، أو "مدنية"، وأيضاً "ناصرية"، على اعتبار أن حمدين صباحي يعتبر نفسه جمال عبدالناصر الجديد.

Ad

لاتزال استطلاعات الرأي، التي لا يُعتد كثيراً بما تقوله، لم تحسم بصورة نهائية مسألة من هو صاحب الحظ الأوفر في هذه المعركة "الدامية" سياسياً، لكن التصورات العامة تضع في المقدمة عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح، وفي بعض الأحيان تضع أحمد شفيق، بينما تضع مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي وباقي ما تبقى في آخر هذا الرتل الطويل.

وللحقيقة فأنا شخصياً -لأنني لا أملك في هذا المجال سوى الأماني والرغبات- رغبتي تراوح بين عمرو موسى، الذي عرفناه وزير خارجية متحمساً وحيوياً وصاحب باع طويل وناجحاً، كما عرفناه أميناً عاماً للجامعة العربية، استطاع أن يعطيها شيئاً من بريقه وحيويته، رغم أن مرحلته كانت مرحلة بداية تراجع العرب وتشظيهم وتفرقهم "أيدي سبأ"، وتحولهم إلى أقل من أرقام ثانوية، سواء في المعادلة الشرق أوسطية أو في المعادلة الدولية، وبين الفريق المحال على المعاش أحمد شفيق، الذي بدأ حياته في القوات المصرية المسلحة الباسلة طياراً مقاتلاً، وانتهى إلى إداري ناجح على رأس سلطة الطيران المدني.

لا شك في أن ما بقي يطرحه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح منذ انفصاله عن "الإخوان المسلمين" وقبل ذلك، يعتبر نقلة نوعية هائلة في مفاهيم تيارات وقوى الإسلام السياسي في مصر وفي المنطقة، ولاشك في أن من يستمع إليه لا يتردد في أن يقول: "إن هذا هو الرجل الذي نريده"، لكن المشكلة تكمن، وهذا أيضاً بالنسبة إلينا نحن الذين نراقب الأمور من الخارج، أن هذا الرجل على اعتبار انتمائه التنظيمي السابق الذي لم يتركه إلا قبل فترة قليلة، ربما أنه يتقن الهدم أكثر من إتقانه البناء، فهذا هو طبع الأحزاب والتنظيمات المعارضة ومنتسبيها بصورة عامة، والمثل يقول: "الطبع يغلب التطبع".

إن هناك مخاوف كثيرة الآن في هذه المنطقة كلها، قد تكون محقة وقد تكون غير محقة، من قدوم الإسلام السياسي إلى الحكم بعد "تضوُّرٍ" تواصل إلى أكثر من ثمانين عاماً، وإن هناك من يقول إن "الإخوان المسلمين"، سواء في مصر أو في غيرها، هم أهل "تقيَّة"، ولهذا فإنه لا يجوز المغامرة واختيار عبدالمنعم أبوالفتوح، طالما أن هناك عمرو موسى الذي عاش أخطر التطورات السياسية المصرية وهو في مواقع المسؤولية، وطالما أن هناك أحمد شفيق الإداري الناجح الذي يحتاج إليه هذا البلد، وهو يعيش مرحلة انتقالية وتأسيسية في غاية الأهمية.