صدقت توقعاتي، ورفضت المحكمة الدستورية طعن الحكومة في النظام الانتخابي وردته إلى السلطتين المعنيتين بالتشريع، كما تنبأت وفقا للسوابق، وتحديداً في مقالتي "الدوائر الخمس... واستهداف القضاء" في 12 أغسطس الماضي، وقلت إن المحكمة ستعتبر توزيع الدوائر أمراً فنياً ضمن واجبات عمل سلطة التشريع المنوطة بالحكومة والمجلس، في تلك المقالة ذكرت أيضاً أن نظامنا الانتخابي معيب بسبب منح الناخب حق التصويت الرباعي، وشددت على أنه "كان الأجدى المباشرة في معالجة خلل نظام الدوائر الخمس بمرسوم ضرورة المتمثل في منح الناخب حق الصوت الواحد بدلاً من أربعة أصوات الذي يمثل نظاماً مختلاً شبه حزبي (القائمة) في غياب قانون ينظم الأحزاب ويمنع التكتلات الانتخابية الطائفية والقبلية".
حيثيات حكم المحكمة الدستورية الذي صدر أمس الأول فتح الباب أمام الحكومة لمراجعة "ملاءمة" القانون من حيث التوزيع الجغرافي والعددي وحق الناخب في التصويت لمرشح واحد أو أكثر، وهو حق منوط بالسلطتين التشريعية والتنفيذية وفقاً للأدوات التي تمتلكانها مجتمعتين أو على انفراد.بلا شك أن الذهاب إلى انتخابات جديدة بنفس النظام الانتخابي الحالي وحق التصويت الرباعي سيعيد السيناريو المحبط والمخرب السابق، فالطوائف ستتواجه مجدداً انتخابياً في أكثر من دائرة وخاصة الدائرة الأولى، والقبائل الكبرى ستفرض سيطرتها على دائرتين انتخابيتين، وستهمش القبائل الصغيرة والأقليات ومناطق مثل الجهراء، وتمنعها من أن تتمثل نيابياً بشكل عادل، كما ذكرنا في مقالة سابقة، بسبب عيوب خطيرة في النظام الانتخابي، أهمها منح الناخب حق الانتخاب لأربعة ممثلين له، بينما الأغلبية الكاسحة للنظم الديمقراطية الانتخابية تقصر ذلك الحق على صوت واحد أو قائمة انتخابية أو نسبية في نظام حزبي مقنن، وإذا تمت الانتخابات المقبلة بنفس النظام الانتخابي القائم حالياً بعيوبه المعلومة فإننا سنعيد إنتاج مجلس 2012 بكل سلبياته الكبيرة والخطيرة.بالتأكيد ان الخاسر الأكبر من قرار الإحالة إلى المحكمة الدستورية الذي نتج عنه كما يدعي البعض تحصين النظام الانتخابي الحالي هم أصحاب التيار الوطني المدني وحماة الحريات لأن النظام الحالي سيعيد إنتاج القوائم القبلية والطائقية والأصولية، وسيكون نتاجها العودة إلى معارك إزالة الكنائس وتعديل المادة 79 من الدستور ومواجهات عبدالحميد دشتي وأسامة مناور وغيرهما المذهبية في قاعة عبدالله السالم وخارجها، بينما كان الأجدر أن يخوض هذا التيار الدستوري المدني معركة إنقاذ البلد عبر إبطال التصويت الرباعي للناخب وحجب تلك القوائم السرطانية التي يتم تبادل الأصوات من خلالها لتدمير المجتمع الكويتي والسلم الأهلي باسم المذهب والقبيلة وانتماءات أخرى تقسيمية.على العموم لا يمكننا أن نتوقف عن الدعوة لأن يتحمل الجميع مسؤولياته في الظروف الحالية، ولا يمكننا أن نترك البلد يخوض مرة أخرى نفس التجارب المريرة التي عايشناها من تناحر ومواجهات بين فئات المجتمع وإقصاء شرائح منها من التمثيل النيابي، خاصة أن الحكومة مازالت وفقاً لحكم المحكمة الدستورية وضمن واجباتها الوطنية لحماية وصيانة أمن البلد ونسيجه الاجتماعي مكلفة بإصلاح عيب النظام الانتخابي الرئيس ودراسة قضية الصوت الواحد، إذ إن توجهات الرأي العام لن ترفض ذلك مادامت ضمن الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة والسلطات المعنية ضمن تراتبية الإجراءات الدستورية.***فور صدور حكم المحكمة الدستورية عادت تصريحات أعضاء الأغلبية المبطلة إلى الإشادة بالقضاء الذي كانوا يلمزون ويهمزون حياله قبل ساعات قليلة ويوجهون له رسائل مبطنة ومشهرة بالتهديد، ولكن اللافت هو عودتهم الى مصطلح مجلس القبيضة رغم أن القضايا المتعلقة بتضخم حسابات بعض النواب المزعوم مازالت جميعها أمام القضاء ولم يصدر حكم واحد يؤيد تلك المزاعم، ولذلك كان يجب عليهم احترام القضاء وانتظار الأحكام النهائية، أم ان غاية سرعة حل مجلس 2009 تمهيداً لسرعة عودتهم تبرر الوسيلة المتمثلة في الطعن في الذمم دون دليل قاطع؟!***نرجو ألا تكون إجراءات حل مجلس الأمة 2009 متسرعة وغير مدروسة وتوقعنا مرة أخرى في المحظورات الدستورية والقانونية، أو مخالفة حكم المحكمة الدستورية الصادر في يونيو الماضي الذي أبطل مجلس 2012 فالدولة يجب ألا تنصاع مؤسساتها وتخالف إجراءاتها الدستورية إذعانا لمطالب ومناورات بعض السياسيين.
أخر كلام
صدقت توقعاتي... والمرحلة الجديدة خطرة
27-09-2012