آن ستيفنسون شاعرة معتزلة. ولدت في أميركا من أب فيلسوف، سرعان ما عين بعد ولادة آن بستة اشهر في كمبريدج - انكلترا، فرحلت العائلة وآن لتقيم حتى اليوم. حرفة الأدب أدركتها بسنوات عمر مبكرة، وحرفتها عن مسار حلمها أن تكون موسيقية. تعتبر اليوم أملي ديكنسون معاصرة، وريثتها في «الكثافة التي تكتفي بمساحة كانفس صغيرة»، على حد قول أحد النقاد. تزوجت مرات أربع، ولها حتى اليوم قرابة خمس عشرة مجموعة شعرية. عزلتها لم تضع اسمها في الظلال قدر ما فعل كتابها الذي وضعته عن الشاعرة الأميركية المنتحرة سليفيا بلاث. فالكتاب أثار أكثر من ردة فعل، ورفع اسم آن ككاتبة سيرة على حساب سمعتها كشاعرة. على أن القارئ الجدي الذي لم يغفل أصواتاً شعرية مثل ديكنسون أو إليزابيث بيشوب، لن يغفل صوتها بالتأكيد. في حوار أخير معه تقول إنها أنهت كل اشتراكاتها بالمجلات الشعرية، وتحولت الى الاشتراك في مجلة New Scientist: «مشكلتي أنني لا أنتسب للفكرة الشائعة اليوم عما يجب أن يكون الشاعر عليه، لم أطمع يوماً أن أكون نجماً شهيراً، وأكره ترويج السوق الشعري».

Ad

في واحدة من قصائدها في منتصف الثمانينيات تحت عنوان «كتابة الشعر» تكتب:

«إن أردت أن تصنع الشعر عليك أن تقيم فيه»

ولكن ما معنى «أن تقيم»؟

أن تكون مدمناً عليه، ان ترتدي

كلماتٍ، تجلس في ضوء أكثر جلاءً،

في حرير الصباح، وفي نعل الليل.

شعور بأنك عارٍ وورقة سرخس في هواء مفاجئ،

مألوف... ونادر. وما معنى «أن تصنع»؟

أن تكون وتصبح مناخ كلمات عابر،

وتعين فتاة في الأوان الصعب،

وترتقي الترحال على متن الأصوات،

أن تتجنب مرتفع الأنا، وينبوع البؤس،

وهسيس سيرانة النشر، النجاح، النشر، النجاح، النجاح، النجاح.

(السيرانة كائنة أسطورية تسحر بصوتها ملاحي البحار)

منفى ستيفنسون الاختياري نتاج موقفها المتعارض مع ورشات تعليم الشعر ومسابقاته الشائعة هذه الأيام. في سنواتها المتأخرة (ولدت عام1933) دب في أذنيها الصمم بصورة تدريجية، الأمر الذي جعل من وجودها بين الجماعة في أي نشاط أمراً غير مريح. على أنها وجدت في صممها هذا شيئاً نافعاً. لنقرأ هذا المقطع من إحدى قصائدها:

فقدت حاسةً. ولكن لمَ الهم؟

حين بحثت داخل النفس عثرت على احتياطي.

الحاسة السادسة تلك التي أحتفظ بها معافاة وأطلقها رشيقة كشرك.

الناقد دانمور، صاحب دار Bloodaxe، التي أصدرت مجموعتها الشعرية الكاملة اليوم، يرى أن فقدان السمع لشاعرة مثل آن ليبدو من سخرية الأقدار، لأن «ميزتها الغريزية كشاعرة كامنة في أذنها الرائعة». والشاعرة تعترف بأن «إيقاعاً موسيقياً تسمعه أو عبارة موسيقية كثيراً ما يكونان دافعاً أساساً للكتابة». ولا عجب فالموسيقى كانت هدفها الأسمى منذ صباها الأول، وهي محور عدد كبير من قصائدها. وفقدان السمع لدى موسيقي كبيتهوفن، رغم ما فيه من عمق فقدان، فتح له أفق الإصغاء الباطني وموسيقى الأعماق.

كتابها «الشهرة المرة: حياة سيلفيا بلاث» أثار الكثير من الضجيج، أربك حياة الشاعرة المعتزلة، وطمس من شهرتها التي تستحقها كشاعرة. مع أنها تشترك والشاعرة المنتحرة بنقاط لقاء عديدة. فكلاهما أميركي فضل الإقامة في انكلترا، وإقامة عائلة فيها، ومن جيل واحد يسعى باتجاه القصيدة الغنائية ذات التضاريس. إلا ان آن أكثر قوة ومقاومة. وهي تنفرد بروح شعرية مضادة لسطوة الأنا ومركزيتها. فلقد تبين لها أن الانسان لم يعد مركز الكون. وأنه تحرر فعلي أن «أنا» أحدنا المتضخمة لم تعد تسد عليه منافذ الرؤية الواضحة.

آن ستيفنسون ليست شاعرة أميركية خالصة، ولا إنكليزية خالصة، مما جعل جمهور قرائها محدوداً في البلدين. ولقد دعم هذا طبيعة الكياسة والعمق والتهذيب التي يتحلى بها شخصها وشعرها.

Ann Stevenson: Poems 1955-12005 (Bloodaxe)*