كيف يواجه الرئيس المصري التحديات الكبرى؟
نشرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مطالب الحركة السلفية إلى الرئيس المصري، وهي مطالب يجمعها شعار واحد "التطبيق الفوري للشريعة" وبحسب مفهومهم، ولكن ما يثير الدهشة في مطالبهم: مسارعتهم إلى دعوة الرئيس المصري إلى "طرد الشيعة من مصر، وطرد البهائيين بعد استتابتهم، والتعامل مع النصارى كما أمر الله تعالى، وإلزام الصوفيين بتعليمات مشددة، وأيضاً وهو الأعجب، هدم الأهرامات"!إن صحت هذه المطالب فإنها تثير العديد من التساؤلات: أولاً: هل هذه أولويات ينبغي شغل الرئيس بها؟! ثانياً: لماذا هذه الكراهية العميقة للآخرين وللآثار التاريخية؟! ثالثاً: هل على الرئيس الاستجابة لهؤلاء الذين صوتوا له باعتبارها استحقاقات انتخابية؟
بالنسبة إلى التساؤل الأول، فإن الرئيس المصري أمام جبل هائل من الملفات المتراكمة والشائكة، كان الله تعالى في عونه، بحيث تبدو هذه المطالب ثانوية في قائمة الأولويات الكبرى، ثم إنها تتناقض والمنطق السياسي للحكم الجديد الذي ينشد العودة إلى استقرار الأوضاع، وكيف يتصور هؤلاء أن يبدأ الرئيس حكمه بالإقصاء وهو الذي تعهد بأن يكون رئيساً لجميع المصريين؟! وهل هذا مما يؤمّن له الاستقرار والأمن؟ وبالنسبة إلى التساؤل الثاني: لماذا الكراهية؟ الكراهية منبع الشرور وأصل التطرف وأساس التعصب، الإنسان السوي لا يكره بل يحب الجميع، ويحب الحياة والطبيعة والكون، ولا يكره إلا من عانى عقداً في طفولته، ولم يتمكن من الخلاص منها، ومن شاء حظه العاثر أن يقع في أسر تعليم متخلف، أو في قبضة جماعة متعصبة، أو في نظام شمولي ملأ قلبه حقداً وكراهية. الذين ينادون بالكراهية ويستشهدون بنصوص دينية يستقطعونها من سياقها، ويجردونها من ظروفها السياسية والاجتماعية فيسيؤون تفسيرها ويشحنون الآخرين بثقافة الكراهية، لا حجة صحيحة لهم، فما كان لهذا الدين أن يدعو إلى كراهية الآخرين، وكيف تستقيم الكراهية مع قرآن كريم يحث أتباعه على "وقولوا للناس حسناً"، "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"، ويقول رسوله الكريم "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً"، "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس".الكراهية، ثقافة طارئة على مجتمعاتنا، فقد عاشت الطوائف التاريخية: اليهودية والمسيحية والصابئة والسريان والكلدان وغيرهم على امتداد تاريخنا في تعايش مع المسلمين آمنين على أنفسهم وكنائسهم ومعيشتهم، ولم تعرف مجتمعاتنا ثقافة الكراهية بوجهها العدواني الدموي إلا بعد انتشار طروحات ما سمي بـ"الصحوة الإسلامية" عقب هزيمة 1967، وكان من آثارها تهجير الآلاف من أتباع الديانات التاريخية التي استوطنت المنطقة منذ عصور سحيقة إلى أوروبا وأميركا وتركوا أوطانهم خوفاً على أولادهم وأسرهم، لقد تقلص وجودهم وكادوا أن يختفوا من المنطقة. انظر كيف تفعل ثقافة الكراهية في شمال مالي، جماعة "أنصار الدين" مستمرة في تدمير الأضرحة والجوامع التاريخية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في تمبكتو، و"جماعة الشباب" المتشددة تواصل هجماتها الدموية على الكنائس في شمال كينيا! وبالنسبة إلى التساؤل الثالث: هل الرئيس مضطر للاستجابة للوعود الانتخابية، فأتصور أن تلك الوعود يحكمها منطق التنافس الانتخابي، وحسابات المرشح للرئاسة في السياق الانتخابي غير حساباته عندما يصبح رئيساً لأن الموازين تتغير، وعوامل غير منظورة تتدخل، والرؤية تكون أكثر اتساعاً وشمولاً لمن هو على قمة هرم السلطة، فلذلك يمكن للرئيس أن يؤجل بعض المطالب أو يرفضها تماماً، وبطبيعة الحال فإن من شأن ذلك أن يصطدم بحلفاء الأمس وبالأصدقاء والأعوان وببني العشيرة، وها هم بعض السلفيين يرفضون تعيين قبطي أو امرأة، وبعض المتشددين يعتدون على الناس ويتدخلون في خصوصياتهم بحجة "الأمر بالمعروف" كما فعلوا أخيراً، إذ قتلوا شاباً كان يقف مع خطيبته! وكل ذلك متوقع، لكن على الرئيس المضي قدماً، فأمامه تحديات كبرى أبرزها "التحدي الاقتصادي" وإيجاد المزيد من فرص العمل لملايين الشباب العاطل نتيجة توقف عجلة الإنتاج والتصدير لمدة عامين عانت مصر خلالهما، ارتفاعاً في معدلات البطالة والعطالة وهروب السياحة والاستثمارات غير 200 مليار دولار مقدرة من الأموال المهربة. مهمة الرئيس الكبرى اليوم، إقناع المصريين للعودة إلى مصانعهم وأعمالهم وشركاتهم ومدارسهم بدلاً من الاعتصام والتظاهر في الشوارع والميادين، إن التحدي الاقتصادي هو أكبر التحديات، وأمام الرئيس المصري التجربة التنموية الناجحة لحزب الحرية والعدالة التركي.أعجبتني مقالة بعنوان "رسالة مفتوحة من مواطن مصري إلى الرئيس مرسي" للدكتور علاء الدين الفرارجي يقول فيها "يا ريس، مصر تتطلع إلى الاستقرار والأمان واستعادة عافية الاقتصاد، ليس بالأرقام والتقارير بل بالأفعال على أرض الواقع، يريد منك سائق "التوك توك" الأمان والرزق الحلال، ويريد منك الطفل أن يذهب لمدرسته فرحاً مطمئناً، وتريد منك المرأة الأمن والمساواة، ويريد منك العامل أن تعود إليه ابتسامته وفرحته بصنع في مصر". إن النجاح في التحدي الاقتصادي يتطلب شرطين رئيسين: داخلي وخارجي، أما الداخلي فباستقرار الأوضاع وتغليب لغة الحوار والتفاهم وتعزيز مدنية الدولة. أما الخارجي، فعلاقات خارجية جيدة: عربية ودولية، فذلك هو الشرط الأساسي لتدفق المنح والمساعدات والقروض والاستثمارات، لذلك على الرئيس عدم الالتفات إلى من يطالبه بقطع العلاقات مع إسرائيل وتحدي أميركا، فهذه العنتريات الفارغة هي التي دمرت مصر والعراق وليبيا وسورية.إن الجهاد الأكبر اليوم هو الجهاد الداخلي لا الجهاد الخارجي، وربما كان على الرئيس الإقلال من الخطب الحماسية، وعدم الانشغال بالتصريحات عن العمل الجاد، ولأن العبرة دائماً بالأفعال لا بالأقوال، ولو كانت الخطب البليغة والتصريحات الحماسية تجدي لأجدت من سبقوه من زعماء احترفوا منهج الخطب البليغة فألهبوا حماسة الجماهير، ونحن أمة تسحرنا الكلمة البليغة وتخدعنا الشعارات الحماسية، لكن هؤلاء الزعماء الخطباء لم يفعلوا شيئاً من أجل النهوض بأوطانهم بل قادوها إلى الخراب.على الرئيس المصري اليوم مسؤولية مضاعفة، فهو يمثل الإسلام السياسي في قمة السلطة لأكبر دولة عربية، فنجاحه نجاح لما يمثله وفشله فشل له، لكن على الرئيس المصري أن يوقن أنه مدين للشعب في وصوله لا لحزبه أو جماعته، لذا عليه التحرر من قبضة الجماعة والتمرد على وصاية المرشد والاعتماد على الشعب وحده، إننا لا نخشى على مدنية الدولة من الرئيس وما يمثله إنما نخشى عليه من الانتهازيين المتملقين الذين سيحيطون به، وقد أثارت مشاهد لأحد الدعاة وهو يقبل يد الرئيس المصري ورأسه، جدلاً، فمثل هذا التقديس هو الذي يصنع الفرعون الجديد.* كاتب قطري