لم يكد مداد المرسوم الصادر بتشكيل الحكومة يجف حتى قدم النائب المحترم صالح عاشور استجوابا إلى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر مبارك الأحمد الصباح الذي صعد إلى المنصة ليرد على الاستجواب ويفنده، انطلاقا من مثالب دستورية ثابتة، لعل أولها وأهمها أنه لا يجوز أن يكون محل الاستجواب وقائع سابقة، على إسناد رئاسة الحكومة إلى سموه أو على تولي أي وزير لحقيبة وزارية.

Ad

ولم يكد مداد الاستجواب المذكور والذي انتهت مناقشته قبل ثلاثة أسابيع يجف حتى صعد إلى المنصة الوزير الشاب الشيخ محمد عبدالله مبارك الصباح، ليجلجل قاعة عبدالله السالم بقوة بيانه وسلامة منطقه، في الرد على الاتهامات التي حفلت بها صحيفة الاستجواب الموجه من النائب المحترم السيد حسين القلاف.

الرد على الوقائع الواردة بالاستجواب وحدها

وقد حرص الوزير الشاب على رفض الرد على أي وقائع لم ترد في صحيفة الاستجواب، ولعلها المرة الأولى التي يتمسك فيها وزير بأن يقتصر رده على ما ورد في صحيفة الاستجواب، ويمكنه المجلس من ذلك.

وكان رده بليغا ورائعا على ما أثاره النائب السيد حسين القلاف من خلافات الأسرة الحاكمة، عندما قال: صعب أن يكون أحد غيري أحرص على أسرته، واتركوا لنا حق حل مشاكلنا، فأهل مكة أدرى بشعابها.

وانتهى الاستجواب، مثلما انتهى استجواب رئيس مجلس الوزراء بقفل باب النقاش والانتقال إلى جدول الأعمال، بعد أن تحدث اثنان تأييدا للاستجواب واثنان معارضان له.

إلا أن ما يستوقف النظر في هذا الاستجواب بعض القضايا التي نطرحها في ما يلي:

الاستجواب يخرج على الهدف المخصص له

من المقرر فقهاً وقضاءً أن استخدام سلطة لاختصاصها إنما تكون غايته المصلحة العامة، وأن هناك أهدافاً مخصصة لكل سلطة ولكل اختصاص ولكل حق دستوري.

ومن المستقر في الفقه الدستوري أن الهدف المخصص لحق الاستجواب هو أن يكون استخدامه لمساءلة الوزير ومحاسبته وطرح الثقة به.

وهو ما دعا مجلس الشعب المصري إلى استبعاد عدد من الاستجوابات لم يطالب النائب فيها مساءلة الوزير وسحب الثقة منه، بل طالب مقدمها الوزير المستجوب:

1- بالتحقيق مع الأجهزة التابعة له (جلسة 18/5/1992)

2- باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين (جلسة 17/2/1993).

ولهذا فإن إعلان النائب حسين القلاف في المناقشة بأنه ليس في نيته تقديم طلب بطرح الثقة، حتى لو حصل على توقيع عشرة نواب، يكون خروجا بالاستجواب عن الهدف المخصص للحق في الاستجواب.

استجواب وزير الإعلام في تكييفه الصحيح طلب مناقشة

وهو ما يطرح سؤالاً يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة، وهو لماذا لم يستخدم النائب مع أربعة آخرين حقهم الدستوري المنصوص عليه في المادة (112) من الدستور بطلب مناقشة عامة لاستيضاح سياسة وزير الإعلام في الموضوع الذي كان محلا للاستجواب، وتبادل الرأي في شأنه، ولسائر الأعضاء حق الاشتراك في المناقشة؟

سؤال احترت في الإجابة عنه، إلا أنني سرعان ما وجدت إجابة سريعة عن هذا السؤال، وقد علل النائب والكاتب الكبير نبيل الفضل في مقاله "استجواب" في صحيفة "الوطن" السبب في إفراط نواب الأقلية في تقديم الاستجوابات والتهديد أو التلويح بها، إلى أن الأغلبية البرلمانية تمارس التهميش والإقصاء مع النواب خارج أسوارها، فلا يجد النائب من هؤلاء سوى الاستجواب، كي يتحدث دون مقاطعة أو تشويش. أي أن معنى ذلك أن النائب يستشفى من داء بداء أشد مرارة على النفس، هو إساءة استخدام حقه الدستوري في الاستجواب، بأن يبتر الحق عن غايته ليثبت وجوده في الساحة البرلمانية، وهو ما سوف يرسي بالممارسات الخاطئة للاستجواب ولغيره دستورا جديدا، لم يقره المجلس التأسيسي ولم يعرفه، وأن الحكومة سوف تبقى الحلقة الأضعف في الصراع الدائر الآن بين الأغلبية والأقلية.

السلطة التقديرية للوزير

إن ما رخص به قانون الإعلام المرئي والمسموع لوزير الإعلام من إحالة أي جهاز من أجهزة الإعلام إلى النيابة العامة، إذا قامت لديه شبهة اقترافه- "فيما ينشره أو يذيعه- أفعالا مؤثمة جزائنا، هو رخصة تدخل في نطاق سلطة الوزير التقديرية، التي لا معقب عليه فيها طالما أنه لم ينحرف فيها عن المصلحة العامة إلى تحقيق أغراض ذاتية.

وهذه الرخصة في الوقت ذاته استثناء من أصل عام دستوري يكفل حرية وسائل الإعلام، وحرية الرأي وحرية التعبير، والاستثناء لا يجوز التوسع فيه، وأن مطالبة الوزير بالإفراط في استخدام هذه السلطة، حتى لا يكيل بمكيالين- كما جاء في صحيفة الاستجواب- لا يجوز أن يكون تحت قبة البرلمان الذي يفترض فيه أن يفزع دفاعا عن الحريات.

التدخل في سير العدالة

ولا ريب في أن قيام النائب السيد حسين القلاف بتقديم استجوابه احتجاجا على قيام الوزير بإحالة قناة "سكوب" إلى النيابة بسبب ما أثير في إحدى حلقاتها من قضايا تثير الفتنة وتمزق النسيج الاجتماعي الواحد للكويت قد أوقع الاستجواب في مأزق دستوري آخر هو التدخل في سير العدالة، وهو الأمر الذي يحظره الدستور في المادة (163). ولا تتأتى حماية العدالة، إذا بدأ البحث في أدلة الاتهام وتقييم هذه الأدلة، خارج قاعة التحقيق وخارج قاعة المحكمة في محاكمة سياسية في قاعة الشيخ عبدالله السالم، قبل أن تبدأ في محراب العدالة، وأن دفاع النائب عن قناة "سكوب"، وما يتمتع به تحت قبة البرلمان من حصانة برلمانية فيما يبديه من آراء وأفكار، قد لا يتيح للمحقق وضوح الرؤية وصفاء الذهن وعدم التسرع في الحكم والمرونة والكياسة التي يتطلبها التحقيق لبلوغ الحقيقة ولإزالة أو التخفيف من حالة الاضطراب أو الرهبة التي تنتاب الشهود عند مثولهم للتحقيق أمام المحقق أو أمام المحكمة.

الوزير والنائب في خندق واحد

ويقول النائب في المحور الثاني من استجوابه إنه أثار قضية خطيرة بالأرقام حول عملية تبييض أموال موثقة بالأدلة والأرقام قامت بها إحدى القنوات الفضائية، ووجه فيها سؤالا في 4/3/2012 إلى الوزير يدعوه إلى التحري عن صحة المعلومة، وأنه لم ير من الوزير موقفا تجاه هذه القضية التي تعد من مسؤولياته وفقا لصريح نصوص القانون.

وهو ما يطرح سؤالا مهما يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة هو: ما الذي منع النائب المستجوب من إبلاغ النيابة العامة بهذه القضية طالما أنها- كما يقول- موثقة بالأدلة والأرقام، الإبلاغ عن الجرائم كأصل عام في غير جرائم النشر هو حق مقرر لكل شخص، وليس اختصاصا مقصورا على وزير الإعلام. بل إن قانون الإجراءات الجزائية يوجب على كل شخص شهد ارتكاب جريمة أو علم بوقوعها أن يبلغ بذلك فورا أقرب جهة من جهات التحقيق، وبذلك فإن إبلاغ النيابة العامة هو حق لكل شخص وللنائب، الأمر الذي لا يجوز أن يكون محلا لاستجواب، وهو ليس اختصاصا مقصورا على الوزير.