يجري الحديث هذه الأيام عن واقع ما بعد ما يسمى "ثورات الربيع العربي" وكأن هناك تزاحم أجيالٍ، وكأن جيلاً جديداً تربطه علاقات الـ"فيس بوك" والـ"تويتر" وثورة تقنية المعلومات يسعى إلى إزاحة وإقصاء الجيل أو الأجيال التي سبقته باعتبار أن هذا القديم هو من مخلفات الماضي، وأنه إن كان يصلح لمرحلة سابقة فإنه لم يعد يصلح لهذا العصر الجديد ومرحلة القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.
وحقيقة أن ثورة تقنية المعلومات والتواصل الاجتماعي قد وضعت جيل الشباب من أعمار الثلاثين عاماً فما دون في واجهة الأحداث انطلاقاً من أن هؤلاء هم الأقدر على التلاؤم مع هذه الثورة، وأنهم الأكثر اندفاعاً للتغيير والتخلص من إرث الماضي البعيد والقريب، الذي غدت لغة عصر التجديد تختلف عن لغته، والذي باتت استحقاقاته وأدوات التغيير فيه قائمة على معطيات ذهنية تختلف عن الأدوات والمعطيات السابقة.وهذا شجع حتى الذين ما زالوا يعيشون في الماضي السحيق وفي مغاور أحزابهم الموروثة على صعيد المفاهيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مع أنهم عمرياً ربما لم يتجاوزوا بعد ما يُعتبر سن "اليأس"، على أن يسارعوا إلى ركوب هذه الموجة، وأن يبادروا إلى التقاط مصطلحات لا تنطبق لا على بلدانهم ولا مجتمعاتهم ولا واقع الحال الذي يعيشونه مثل "الحرس القديم" و"قوى الشد إلى الوراء... أو العكسي" من باب التنكيل بالذين يخالفونهم الرأي وتشويه سمعتهم!وهنا وعلى سبيل المثال فإن الذين ما زالوا يعيشون في كهوف التخلف الحزبي المظلمة، ربما رغم صغر أعمارهم، والذين يصرون على التمسك بلحظة تاريخية غدت وراء مسيرة البشرية بمئات السنين، إنْ اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً، قد بادروا إلى التقاط هذه المصطلحات ليستخدموها كتُهَمٍ ضد بعض رموز رجال الدولة من أجيال الذين هم أكثر منهم ومن أحزابهم وعياً وانفتاحاً، وأكثر قدرة على التلاؤم مع استحقاقات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، وأيضاً على التلاؤم مع ما بعد "تسونامي" ما يسمى ثورات الربيع العربي، هذه الثورات التي أطلق شرارتها شبان الـ"فيس بوك" من الليبراليين الحالمين، وبادر إلى قطع الطريق عليهم الذين يصرون على البقاء في كهوفهم التنظيمية القديمة.وهكذا فإن المسألة ليست بالأعمار، بل بمدى الوعي وإمكانية التطور مع تطور العصر والانتقال من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة لها استحقاقاتها ولها متطلباتها ولها لغتها ولها أدواتها ووسائلها، وها هي الشواهد أمامنا حيث هناك شبانٌ يرفضون كل جديد ويقاومون كل عصري، وهذا ينطبق حتى على الولايات المتحدة التي لا تزال فيها فئات ترفض الحياة العصرية بكل وسائلها من الكهرباء إلى الإذاعة والتلفزيون والثلاجات والمدارس والجامعات العصرية، وتصر على عيش ما قبل الثورة الصناعية وبدائية عصور الظلام والانزواء في الكهوف المظلمة.إنه لا يحق لمن يحرّم استخدام فرشاة الأسنان وتناول الطعام بالشوكة والسكين، ولمن يرفض مساواة المرأة بالرجل على اعتبار أنها عورة، ولمن لا يعترف لمن يشاركه في الوطن من دين آخر بأنه مساوٍ له في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة الكاملة، بأن يتهم مَن يخالفه الرأي بأنه "الحرس القديم" وأنه "قوى الشد العكسي" حتى وإن كان أكبر منه بثلاثة عقود ويزيد، فالمسألة ليست مسألة أعمار... إنها مسألة مفاهيم وقدرة على مسايرة حركة التاريخ ومعطياته.
أخر كلام
تواصل أم تزاحم الأجيال؟!
05-05-2012