اليوم سأكتب عن آخر رواية من الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة من جائزة البوكر لعام 2011-2012، وهي رواية "نساء البساتين"، ثم سأختمها برأيي الذي توصلت إليه بعد قراءة روايات المجموعة القصيرة كلها.

Ad

"نساء البساتين" هي الرواية الرابعة للكاتب الحبيب السالمي، وهي كأخواتها تتميز بسلاسة وبلغة سهلة عفوية وبسيطة، وهو ما امتاز به أسلوب السالمي، ولعل أجمل ما كتبه رواية "عشاق بيا"، وما جاء من بعدها لم يحتو على قيمة وعمق ورؤية مثلها، فـ"نساء البساتين" تحكي عن مهاجر تونسي مقيم في باريس يذهب في زيارة معتادة لأخيه في تونس، ومن هنا يقوم باستعراض المدينة بشوارعها وأسواقها القديمة ومقاهيها ودور العاهرات، ويعود لينقل لنا صورة الحياة داخل أسرة أخيه وزوجته وابنه، وما يدور فيها من أمور يومية عادية.

هذه هي كل الحكاية مشاهدات والتعليق عليها بشكل عابر، لا يضيف أي رؤية خاصة تُشعر القارئ بمشاعر عميقة تجاه ما كتبه الكاتب، مجرد سرد ووصف لا يستوقف القارئ إلا بمرور سريع لا يبقي ولا يذر، ومن ثم تنتهي الرواية من دون أن تترك أي أثر في روح وعقل القارئ.

اسم الرواية يُحيل إلى واقع أكبر منها، فنساء البساتين لسن أكثر من زوجة أخيه، ونعيمة العاهرة الساكنة في ذات العمارة، وأخت زوجة أخيه ليلى، وكل منهن حكايتها عابرة ليس لها أي دور في الرواية التي لم تعط معنى وتحليلاً عميقاً لوجودهن فيها، كلهن عابرات بلا أي تأثير أو إضافة قيمة لماهية وأهمية وجودهن في الرواية، وما شعرت بسحر هذا العنوان على واقعه الفقير، عموماً روايات الحبيب السالمي تشبه في كتاباتها بعض كتابة الروايات الفرنسية، لكنها في هذه الرواية جاءت كتابتها من خارجها، ولم تأت برؤية عميقة وتحليل غائص في التفاصيل التي وردت بوصف بارد متصنع وليس حقيقياً لم يتمكن من القبض على حميمية الإحساس ودفئه، كأنه واجب مقرر لكتابة رواية، أو كأنها مفصلة على قدر قامة لجنة تحكيم هذه هي حدودها.

عموماً الرواية لم تفدني بأي شيء، لا متعة ولا معرفة سوى أنها بينت لي أن "تونس جحيم لمن يعيش فيها، وأنها تبدو للسائح بلاداً متطورة، لكنها في الحقيقة مجتمع مهزوز مرتبك، ضائع لا يعرف في أي اتجاه يسير"، وكنت أظن أن تونس خلاف ذلك.

ومن بساطة هذه الرواية أشعرتني أنه بإمكاني كتابة رواية مثلها لكل صيفية أمضيها في رحلة إلى الخارج، إذا كان الأمر لا يتطلب أكثر من وصف ما شفته وعشته خلال هذه الإجازة الصيفية، وبالتالي ستكون لدي رواية في كل عام بدلا من كل ثلاثة أو أربعة أعوام، ولا أدري إن كان هذا الاستسهال قد سببه هرولة اللحاق بقطار الجوائز أم لتكوين رصيد روائي كبير للكاتب؟

ولا أدري الأساس الذي تم به اختيار روايات جائزة البوكر للقائمة القصيرة؟

وأظن أنه أضعف اختيار في كل ما سبقها من اختيارات، فروايات هذا العام لا تقارن بما سبقها من أعوام، فالفائز بجائزة البوكر يجب ألا يقل في مستواه عن الفائزين بها أو بأمثالها في العالم الغربي، فهل الفائز بها يتماثل مثلاً مع العظيم وليم فولكنر الفائز بها، أو هل يتساوى مع رجاء عالم التي فازت بها عن حق وبجدارة وإبداع حقيقي، وجاءت كتابتها عميقة وممتعة وحاملة لرؤية مكثفة في فهم طبيعة مكان مدينة مكة وسبر حالاتها وأحوالها ومن يعيش فيها، رواية حفرت في حياة مدينة وناسها وتاريخها بفكر ووجدانية حيوية عميقة، فاستحقت البوكر بجدارة.

أما روايات هذا العام فقد استخفت بالقارئ، وجاءت بمستوى عادي وبسيط لقارئ مبتدئ، وليس لمستوى جائزة مثل البوكر، والغريب أنها تشابهت في أسلوب كتابتها بشكل يكاد يتطابق، فكل السرد جاء على لسان راو واحد، وتقنيتها متشابهة أيضاً في بساطة تركيبها وسذاجته، كذلك جاء التشابه على مستواها اللغوي العادي والبسيط الذي لا يحمل أي عمق في الرؤية الفلسفية للعمل، عدا رواية "عناق على جسر بروكلين" التي تعدد فيها الرواة، وجاءت بتقنية سينمائية حملت أفكارا مفسرة للعمل.

فهل هناك اتجاه في جائزة البوكر العربية لتسطيح الرواية وجعلها في مستوى متدن من الفهم العام؟