هل يجب علينا أن نتخندق من جديد، وكلما ينعق أي ناعق بالخزي والقاذورات اللفظية حتى نشفي غليل فلان وعلاّن ممن تنتفخ أوداجهم: «ردوا عليه»! وحتى تبرهن أنك من أنصار هذا المذهب أو ذاك لكي يطمئن قلب من يتنكر خلف اسم وهمي في مواقع التواصل الاجتماعي! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

Ad

إذا كانت بعض صور التحرش الطائفي والمذهبي نابعة من سلوكيات المراهقين والجهلة فقد يكون مرد ذلك إلى الحماس المفرط والانفعال العاطفي أو حتى سوء الأدب والتربية، وعادة ما يتم احتواء مثل هذه المواقف بالقول إن أمثال هؤلاء الشباب قد جرفهم الطيش والحماقة، ويتدخل العقلاء الكبار لفرض وقارهم وحكمتهم حتى يقال إن عليّة القوم هم صمام الأمان لوأد الفتن، وهم القدوة في حسن الخلق والتسامح.

ولكن إذا جاءت "العيبة" من الكبار ومدّعي العلم والزاعمين أنهم يحملون على ظهورهم أسفاراً من الكتب والمفاهيم والثقافة وتاريخاً من الدراسة والتدريس فماذا عسانا أن نقول؟ بل كيف نواجه أمة من البشر يستقبلون أيام الله المحفوفة بكل صور الرحمة الإلهية وعبقات الأنوار المقدسة، ونحن نردد على أسماعهم بأن الشهر الفضيل تغلق فيه أبواب جهنم، وتُغلّ فيه الشياطين وتصفّد أيديهم وأرجلهم؟

وماذا عسانا أن نقول إذا كان مروجو الفتنة قد بلغوا أرذل العمر، ويفترض أن تكتسي شيباتهم الوقار والحياء، أو على الأقل احترام ذاتهم، ناهيك عن دورهم في النصيحة وبث روح المحبة وتحذير العوام المنغمسين في نار البغض والكراهية من الابتعاد والترفع عن الجدال العقيم والمراء السقيم؟

وماذا عسانا أن نرد على من يتجرأ فقط لتهييج من يخالفهم في الفكر والاجتهاد والاعتقاد أن يقحم أطهر وأشرف وأقدس من خلقهم الله بالقول الفاحش والتعابير الرخيصة؟ وهل السب والشتيمة في المقابل كفيل بإصلاح ما يسببه فعل شخص أحمق أو متهور في تمزيق الأمة؟ وهل الدخول في مثل هذه المساجلات المريضة يحل المشاكل أو يحدّ منها أو يردع المرتزقة الذين يقتاتون عليها؟

وهل يجب علينا أن نتخندق من جديد، وكلما ينعق أي ناعق بالخزي والقاذورات اللفظية حتى نشفي غليل فلان وعلاّن ممن تنتفخ أوداجهم: "ردوا عليه"! وحتى تبرهن أنك من أنصار هذا المذهب أو ذاك لكي يطمئن قلب من يتنكر خلف اسم وهمي في مواقع التواصل الاجتماعي! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إنني لعلى يقين، بل أقسم بذات الله بأن بعض الحمقى سواء من حملوا على ظهورهم أسفاراً أو كانوا من غير أسفار عندما يتعرضون خصوصاً بالكلام الوضيع الذي روج قبل أيام لسيدة نساء العالمين والطهر الطاهر فاطمة الزهراء روحي فداها، ومن قبل ذلك بأمهات المؤمنين، وقبلها بالصحابة وأئمة أهل البيت عليهم السلام، لا تتعدى كونها محاولات مريضة من نفوس بائسة لتهييج عواطف ومشاعر الآخرين؛ لأنهم باختصار لا يستطيعون العيش في ظل الوئام والسلام، وهؤلاء بالتأكيد يتشوقون للسب والإهانة ولكن بعداً لهم وتعساً لهم ولأشكالهم، والله وحده هو الكفيل بهم لا نحن البشر.

اللهم ارزقنا في هذا الشهر الفضيل الحلم والوقار، وارزقنا صيام عفة اللسان والعقل والجوانح قبل الجوارح!