لأكثر من مرة كنت أجد أبنائي يشاهدون الفيلم الكرتوني الشهير "شركة الوحوش" أو "Monsters Inc"، باستمتاع كبير، ولكن لا يتسع لي المجال للجلوس معهم لمتابعته. ومنذ أيام وجدت بناتي يشاهدنه مجدداً، وأجبرنني على الجلوس معهن فاستسلمت، وتمكنت من متابعته حتى النهاية، وإذا بي أفهم قصته جيداً للمرة الأولى، لأكتشف أنها قصة عميقة في الواقع!

Ad

تدور قصة الفيلم، وبكل اختصار، حول أن هناك عالماً سرياً خاصا بالوحوش التي تخيف الأطفال في الليل، وأن هذه الوحوش تقوم بتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة لعالمها عبر إخافة الأطفال وجعلهم يصرخون بصوتٍ عال، ومن ثم حبس هذا الصراخ في بطاريات خاصة لذلك!

وتستمر الحكاية لتدور في صراع بين الوحوش "الطيبين" وخصومهم "الأشرار" بعدما تمكنت طفلة صغيرة من التسلل إلى عالمهم، لتنتهي إلى انتصار الطيبين طبعاً، وإلى تحويل نشاط شركة الوحوش، من إنتاج الطاقة عبر استخلاص صراخ وفزع الأطفال، إلى إنتاجها من ضحكاتهم وفرحهم، بعدما اتضح للجميع أن السعادة تعطي طاقة أكبر من الخوف!

هذه القصة الطفولية وبالرغم من خياليتها وفانتازيتها، تشابه الواقع إلى حد كبير. وليس ذلك من باب أن الواقع مليء بالوحوش البشرية، وأنها تتعارك طوال الوقت للسيطرة على مقادير الأمور، وإنما لأن الطاقة التي تنتج عن الإنسان عندما يكون سعيداً ومرتاحاً أكبر بكثير من تلك الطاقة التي قد تنتج عنه يوم يكون واقعاً تحت سلطة الجبر والأمر والتسلط والتخويف، هذا إن نتجت منه أي طاقة ذات قيمة أصلاً!

وهذه الحقيقة هي مدار العملية الإنتاجية في كل شؤون الحياة، والقيادة التي تمتلك من الحكمة ما يجعلها تدرك ذلك، ومن ثم العمل بمقتضاه، هي الإدارة التي تتمكن من النجاح في مساعيها لقيادة المنضوين تحت لوائها إلى بر الأمان والاطمئنان.

ليس بكافٍ، يا سادتي، أن يمتلك القائد رؤية وخطة واضحة لما يريد تحقيقه، بل من المهم أن يتبع هذا القائد فريق يؤمن به، ويحبه ويشعر بالسعادة في العمل تحت لوائه، أما ذلك القائد الذي يحاول أن يفرض هيبته ويملي رؤيته وخطته من خلال أسلوب الأوامر الصارمة والجبر والتسلط والتخويف، فإن مصيره إلى الفشل، ومآل فريقه إلى التمرد على قيادته، والانسحاب من تحت لوائه، ليجد نفسه إما وحيدا، وإما محاطاً بالمخادعين المتزلفين وماسحي الجوخ، الذين سيوصلونه إلى الهاوية، وينحرفون عنه في اللحظة الأخيرة، كما تقفز الجرذان من السفينة الغارقة!

والأمر ذاته ينسحب حتى على العلاقات الإنسانية، سواء الزواج، أو شؤون العائلة، أو الصداقات، أو ما شابه. من يحاول أن يدير هذه العلاقات بطريقة التسيد والسيطرة والتجبر على الأطراف الأخرى، سرعان ما سيخسر حبهم وتقبلهم وتعاونهم معه، ولن يصل إلى النجاح مطلقاً، بل سيخسرهم ويفسد العلاقة برمتها.

أولئك الوحوش في ذلك الفيلم الكرتوني، يقدمون لنا نصيحة حياتية غالية لو نحن رأيناها حقاً. كل شؤوننا يمكن لها أن تسير بشكل أفضل بكثير من خلال التفاهم والرضا والسعادة مع الأطراف الأخرى في حياتنا. وأما مسلك التصادم والإيلام والتخويف والانتصار على الآخر، فحبل نجاحه قصير، ومصيره الخسارة.