من لا يحترم الأحكام القضائية؟
في الأسبوع الماضي برأ القضاء 16 شخصاً من «البدون» اتهموا بالاعتداء على الشرطة والتظاهر بدون ترخيص في تيماء في مارس 2011، ويفترض بحكم كهذا أن يزيد من رسوخ حقي التظاهر والتعبير ويعطي البدون وغيرهم ضوءاً أخضر لممارستهما بحرية، كما يفترض به أن يدفع بوزارة الداخلية إلى الكف عن التضييق عليهم واعتقالهم دون سند قانوني. أو هكذا يفترض.المفارقة أنه في اليوم نفسه نشرت «الأنباء» تصريحاً للنائب العام المستشار ضرار العسعوسي بأن التظاهر ضد أحكام القضاء وقرارات النيابة «بدعة مستحدثة... ويجب وقفها ومنعها ومحاسبة مرتكبيها بكل حزم». وتلك وجهة نظر لها احترامها وخاضعة لنقاش الدستوريين والقانونيين حول التكييف ما بين حق نقد الأحكام القضائية الوارد في المادة 147 من قانون الجزاء، والمستلهم من حقي التعبير عن الرأي والتظاهر اللذين كفلهما الدستور، وبين تجريم ازدراء القضاة ونزاهتهم الوارد في المادة نفسها.
ولكن ما لا يوجد له تبرير هو أن تعاود «الداخلية» توجيه التهم ذاتها بعد أن يسقطها القضاء كما فعل في تظاهرات البدون، أو تعاود إجراءات الاستيقاف والتفتيش ذاتها بعد أن يبطلها القضاء كما فعل في كثير من قضايا حيازة الممنوعات. إذ تستمر بإجراءاتها المخالفة في قضايا لاحقة مشابهة، ثم يبطلها القضاء، ثم تعاود «الداخلية» ارتكاب نفس المخالفات، ولا تكتفي بذلك، بل تجاهر بمخالفاتها في بياناتها العنجهية وتهدد الناس إذا ما مارسوا حقوقهم، أو تصريحات ضباطها بتكثيف نقاط التفتيش غير القانونية ومداهمة الأماكن الخاصة رغم كم الأحكام القضائية التي أبطلت تلك الإجراءات. إذن من لا يحترم الأحكام القضائية؟ «الداخلية» تعي جيداً أنها تخالف الدستور والقانون ولا تقيم وزناً للأحكام القضائية، بدليل تكييفها قضية ندوة الحربش على أنها «تجمع عام» بينما كان تكييفها في السابق لقضية مشابهة على أنها «اجتماع عام»، وهي القضية التي على ضوئها أسقطت المحكمة الدستورية المواد المتعلقة بـ«الاجتماعات العامة» في قانون التجمعات، ما يبين انتهازية «الداخلية» وانتقائيتها والتفافها على الأحكام القضائية في تعاملها مع قضيتين رغم تشابه وقائعهما.كيف ستتصرف «الداخلية» لو عاد البدون للتظاهر؟ فالظروف والوقائع متكررة ولا تتغير بما يتيح إعادة توجيه التهم نفسها، هل ستعاود قمعهم واعتقالهم وتقديمهم إلى المحاكمة رغم علمها المسبق ببطلان التهم والإجراءات، على أمل تخويف الناس ومضايقتهم وأحياناً معاقبتهم من خارج إجراءات التقاضي القانونية، دونما اعتبار لحكم القضاء الذي أسقط التهم التي استندت في إجراءاتها عليها؟هناك أحكام تبرئ الناس من تهم «الداخلية» فتعزز من حقوقهم المدنية، وهناك أحكام تبطل إجراءات الاعتقال، وفي النوعين شهادة على سوء تصرف «الداخلية» واستغلال سلطاتها خارج حدود الدستور والقانون، وفي الوقت الذي تحتاج فيه «الداخلية» إلى تنظيف سمعتها واستعادة ثقة الناس بها بعد المصائب التي حدثت على أيدي أجهزتها كضرب المواطنين والنواب في ندوة الحربش وتعذيب وقتل الميموني وغيرها، نجدها على النقيض تتصرف كدولة مستقلة عن دولة الكويت ولا تحتكم لدستورها وقوانينها، وإنما لمزاج وزيرها وضباطها وعقليتهم العسكرية، وتتعامل بفوقية مع المواطنين، كما نجد من يثق بها ويعطيها مزيداً من السلطات التقديرية لتوجيه تهم تدخل في السرائر، وبعضها يؤدي إلى الإعدام كتجريم الإساءة إلى الذات الإلهية والنبوية.