منذ فترة ونحن نسمع بالحراك الشبابي ومطالب الشباب وطموحاتهم وتطلعاتهم، وبينما يعد من الضروري أن يكون لهذه الفئة صوتها المسموع ونشاطها في الشأن السياسي والاجتماعي والثقافي في البلد لكون الشباب عماد المستقبل، لكن من الخطأ أن يتم اختصار دورهم بمجموعة معينة منهم وكأنه لا توجد مجاميع شبابية أخرى تخالفهم الرأي.
ومن الخطأ أيضا أن يتم التهويل والمبالغة بهذا الدور بحيث يصبح كل ما يطلبه الشباب صائبا ويجب تلبيته، فإذا كان كثير من السياسيين قصيري النظر عند اتخاذ مواقفهم في قضايا معينة، فما بالكم بالشباب الذين تنقصهم الخبرة في كثير من الأحيان، فرأينا من التجارب كيف كانوا أصحاب نظرة قاصرة في أحيان ما، أو مجرد وقود لتحقيق مطالب بعض السياسيين في أحيان أخرى.خذ على سبيل المثال حركة "نبيها خمس" التي خلقت رأيا عاما مساندا لتعديل الدوائر وأجبرت السياسيين على المشي وراءها، معتقدة أن الوضع الحالي كان سيرشد العمل السياسي واختيارات الناخب، لكن ما حدث هو العكس تماما، نعم لقد قلل النظام الحالي من تأثير الرشوة وفي بالمقابل تعاظم دور ما هو أخطر من المال ألا وهو العصبيات العرقية والطائفية بعدما صار باستطاعة أغلب الفئات إيصال مرشحيها من دون مساعدة بقية فئات المجتمع. كما لجأ حتى بعض نواب الخدمات والنواب غير المعروفين بالتطرف إلى الصراخ والشتم وتأجيج النعرات؛ لأنها باتت أقصر الطرق لكسب تعاطف الناس وأصواتهم بعدما بات من المستحيل تقديم خدمات شخصية لعشرات الآلاف من الناخبين، فصار أغلب من يتسيد المشهد السياسي حفنة من مثيري النعرات المذهبية والعرقية.ثم نأتي إلى حملة "ارحل" التي نزلت إلى الشارع استنكارا للفساد والرشوة السياسية "حسب زعمهم"، وتعاونت مع نواب المقاطعة لحل المجلس مقابل تعهد هؤلاء بإقرار قوانين الذمة المالية ومكافحة الفساد وغيرها من قوانين، فنجح النواب وبلعوا تعهداتهم وصارت أولوياتهم الإعدام، وتعديل المادة الثانية، ومدينة طبية فاشلة، ودكانا تعليميا اسمه "جامعة جابر"! ولا ننسى هنا طبعا حادثة الاقتحام التي كنت أتمنى من الشباب المتورط فيها الاعتراف بخطئهم الذي جاء نتيجة الحماس، لكننا وللأسف سمعنا تبريراتهم الواهية المهينة لعقل المشاهد في الفيديو الذي أنتجوه، والذي ادعوا فيه- عبر شهادات منسقة ومرتبة مسبقا- بأنهم أرادوا الذهاب إلى سياراتهم لكن الشرطة طوقت المكان فصاروا "بين البحر والمجلس"! مع أننا شاهدنا وسمعنا عبر المقاطع المنتشرة في اليوتيوب بأنهم أرادوا الذهاب لبيت الشيخ ناصر المحمد "لا إلى سياراتهم"، وعندما منعتهم الشرطة، صاح بهم أحد النواب "إلى المجلس"! وحتى الشباب الذين صاروا نوابا لم يكن لديهم طرح جديد ورؤية مختلفة عن غيرهم، بل على العكس كان أغلبهم مجرد "كومبارس" و"حطبة دامة" يحركها رموز الأغلبية الخمسة كيفما يشاؤون، والبقية الذين كانت لهم شخصياتهم المستقلة نوعا ما تعاملوا مع الواقع بسذاجة وبأوهام المدينة الفاضلة. كنت أتمنى أن أسمع ممن يسمون أنفسهم بـ"الحراك الشبابي" شيئا عن الاقتصاد وإنقاذ ميزانية الدولة من الصرف المتهور على الرواتب، وكيفية خلق فرص عمل وبيئة جاذبة للاستثمار وكيفية حفظ حقوق الأجيال القادمة، لكن للأسف وجدناهم ينجرون مثل باقي السياسيين خلف وهم الإصلاح عبر الحكومة الشعبية والنظام البرلماني الكامل والدائرة الواحدة، وهي اقتراحات لن تغير من الوضع شيئا، بل قد تزيده سوءاً كما بينا في المقال السابق.في الخلاصة أقول إن السنّ ليست عاملا لتحديد صحة وجهة نظر من عدمها، لكن ما يهم هو الصدق مع النفس قبل الصدق مع الناس، والتحلي بالمسؤولية وعدم الانجرار وراء الأضواء والشعارات البراقة الفارغة، إضافة إلى مصارحة الناس بما لا يريدون سماعه.
مقالات
مقلب الشباب
27-07-2012