الظلمة والأفكار!

نشر في 23-10-2012
آخر تحديث 23-10-2012 | 00:01
 طالب الرفاعي الساعة هنا في مدينة "أيوا" الأميركية الحادية عشرة، مساء يوم الخميس 18 أكتوبر الجاري، وهي في الكويت السابعة صباح الجمعة. للتو دخلت غرفتي رقم 234 في فندق "بيت أيوا-Iowa House Hotel" التابع للجامعة، وبالرغم من أنني أضأْت جميع المصابيح، إلا أني أشعر أن قطع الليل تتساقط عليَّ من السقف، وتخرج إليَّ من كل زاوية. للتو عدت من "مسرح إنكلر-Englert Thertre" الذي يحتفل بمئوية تأسيسه، بعد أن حضرت حفل "الرباعي كرونوز-Kronos Quartet"، كان الحفل رائعاً، في مسرح غصَّ بالحضور، والتهبت أكفهم بالتصفيق للفرقة، لتعود ثلاث مرات تُضيف قطع تحية لتصفيق حارٍ لا يريد أن يتوقف.

ما الذي حركه المسرح والحفل في قلبي، حتى أن قطع الظلمة انهالت على غرفتي ومسّت روحي؟ لماذا التم عليَّ حزنٌ عصف بخاطري؟ وأنا الذي قدمت يوم الاثنين 15 أكتوبر الجاري، محاضرة في "قاعة كليمر-Gilmore Hall" عن "الأدب العالمي المعاصر"، الكويت نموذجاً، وقلت والفخر يهزّ قلبي: "بدأ التعليم النظامي في الكويت بافتتاح المدرسة المباركية عام 1912، وانبعث المسرح عام 1922، على يد الشيخ عبدالعزيز الرشيد، والرجل نفسه، أسس "مجلة الكويت" عام 1928، ومررت بأن المسرح الشعبي انبعث في الأربعينيات مع محمد النشمي". كنتُ فرحاً، أقصّ على مجاميع طلبة جامعة أيوا كيف أن همة شباب الكويت المبتعثين إلى مصر، وعلى رأسهم الرائد عبدالعزيز حسين، أسست مجلة "البعثة" في القاهرة، عام 1946". خرجت من المحاضرة منتشياً بأسئلة الطلبة حول الكويت، فماذا يلفّ الحزنُ قلبي الليلة، وتتراكم عليَّ قطع الظلمة؟

لابدَّ أنه مسرح "إنكلر" الذي يحتفل مزهواً بمئويته، ولابدَّ أنها فرقة "رباعي كرونوز" فنحن في الكويت اليوم نعيش الحدث المسرحي في مباني مسرحية بُنيت في الستينيات، ونخجل من القول بأننا لا نملك فرقة موسيقية، تمثلنا في أي تجمع فني عربي أو عالمي، وليس أمام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، لسد هذا النقص سوى الاستعانة بالفرق الشعبية الكويتية الخاصة.

كيف لدولة مثل الكويت، بغناها المادي وبتاريخها الثقافي والفني المشرق، أن تكون عاجزة عن بناء مبنى لرابطة الأدباء، ومبنى الرابطة في منطقة "العديلية" آيل للسقوط؟ كيف لدولة مثل الكويت تقدم الهبات لكل شعوب الدنيا، المحتاجة وغير المحتاجة، وتعجز عن بناء مسرح قومي تقيم فيه احتفالاتها بمناسباتها الوطنية، وتخلق علاقة بين أجيالها الناشئة وبين هذا المسرح؟ كيف لدولة الكويت، التي عملت لسنوات ووضعت "خطة للثقافة العربية"، أن تعجز عن تمويل الفرق المسرحية الأهلية، إلا بما يسدّ رمقها ويجعلها بصعوبة تقدم عملاً يتيماً سنوياً؟ كيف بالكويت وكيف وكيف؟

كنتُ محزوناً بقطع الظلمة التي تحيط بي، وها هي تختفي لتترك لأفكاري أن تحيط بي وتؤلمني أضعاف ما كانت تفعل هي!

نعم، المسرح يحفظ ذاكرة المدينة، ولأنني خرجت للتو من مسرح، يحتفل بمئويته، ويحفظ تاريخ مدينته وأهلها وتطور فنونها، واحتضانها لعروض من مختلف دول العالم، فلقد صعدت الحسرة إلى قلبي!

نعم، المسرح ليس للتهريج والسخف، بل هو معلم. المسرح ذاكرة وتاريخ وحياة، ولأن مسارح الكويت، عاجزة عن تقديم مسرحيات حقيقية، تلامس وجع المواطن، وهموم المواطن، ومخاوف المواطن، وآمال المواطن، فلقد انصرف المواطن عنها، وانكفأت على نفسها.

نعم، الفن الراقي يقدم وجهاً تفخر به الدول، لذا فما شاهدته الليلة من فن إنساني النزعة، لفرقة رباعي وتري، قدمت فنون من أميركا والهند وصربيا وبولندا، حرّك بي قدرة بلدي على تقديم فن إنساني النزعة، يستقطب جمهوراً متلهفاً لكل فن راقٍ.

ها قد عادت سحب الظلمة لغرفتي واجتمعت هي والأفكار عليًّ.

back to top