في غمرة «نوبل الآداب»

نشر في 29-10-2012 | 00:02
آخر تحديث 29-10-2012 | 00:02
No Image Caption
رغم أهمية جائزة «نوبل الآداب» ودورها الفاعل والريادي في ترويج أعمال شعراء وروائيين كثر حول العالم، فإننا نجهل في اللغة العربية أكثر من نصف حامليها، وهم في عالمنا أشبه بكتّاب مغمورين يحتاجون إلى إعادة اكتشاف أدبهم.
يلاحظ زائر المكتبة الثقافية في بيروت أن معظم الأدباء والشعراء والمسرحيين حائزي «نوبل» في النصف الأول من القرن العشرين غير مترجمين إلى العربية، ولا يلفتون انتباه القارئ العربي باستثناء الشاعر الهندي طاغور (طبعاً) والمسرحي الإنكليزي جورج برنار شو والروائي النرويجي كنوت هامسون صاحب رواية «الجوع»، وغيرهم قلّة.

في السنوات الأخيرة، دار نقاش حادّ حول أهمية بعض الأسماء ومستواها الأدبي، فاعتبر أحد أعضاء لجنة تحكيم نوبل أن الرومانية الألمانية هيرتا موللر تكتب «لغة سطحية» مؤثراً الاستقالة من منصبه بسببها، في حين لم ينج الشاعر السويدي توماس ترانسترومر (حاز الجائزة عام 2011)  من انتقاد أقلام أوروبية كثيرة رأت أنه لا يستحق «نوبل». حتى إن القاص والناقد البريطاني تيم باركز أكد أن هذا الشاعر مجهول تماماً بالنسبة إليه: «لم أعرف سابقاً أي شيء عن توماس ترانسترومر، وباستثناء بعض القصائد الطويلة المتاحة راهناً على شبكة الإنترنت، فإنني لم اقرأ له أي شيء»، معتبراً أن الحاجة ملحة إلى التوقف عند آليات اختيار الفائزين.

أما الناقد البريطاني جون دوجدال، فذهب فى صحيفة «الغارديان» البريطانية إلى أن ترانسترومر انضم بفوزه إلى منتدى الطالح فيه أكثر من الصالح. فالجائزة نالها مبدعون أمثال طاغور وويليام بتلر ييتس وغابرييل ماركيز ونجيب محفوظ، ودوجدال صُدم بها وشعر بالمرارة  عندما ذهبت إلى رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل.

وإذا كان ترانسترومر مجهولاً في بعض البلدان الأوروبية فهو معروف لدى المثقفين في العالم العربي وترجمت أعماله مراراً، على عكس الصيني الفائز بنوبل الآداب 2012 مو يان، المجهول في العالم العربي والمترجم في أوروبا.

فلم يزعم أحد عربياً أنه يعرف الروائي «اصمت»، حتى إن غالبية الصحف دخلت في «لخبطة» واسعة حين إعلان اسمه، عندما لم تجد عنه مقالات متوافرة على شبكة الإنترنت ولا كتباً له مترجمة في المكتبات العربية، ما عدا البعض الذي أسعفته قراءاته في الإطلالة على نتاج هذا الروائي عبر لغة وسيطة طبعاً.

لكن مو يان المجهول عربياً ما لبث أن تحوّل إلى نجم، عندما تعرّف القراء إلى نتاجه الذي يحمل النكهة الصينية الفريدة، سياسياً واجتماعياً، خصوصاً أنه رفض خيار المنفى وظلّ ابن مكانه الأول يتشرّب منه ويتعايش معه، فيكتبه واقعاً ملموساً لا جدال حوله.

قضية خاصة

يذكر الصحافي سمير عطالله: «عندما نعرض أسماء الذين مُنحوا نوبل نجد أن الجائزة أعطيت أحياناً إلى مجهولين لم تنفع حتى هي في حفر مكانة أدبية لهم. لا في الشعر ولا في الرواية ولا في المسرح. وأحياناً يشعر القارئ حول العالم أن الفوز كان متوقعاً أو مطلوباً: ألبير كامو، جان بول سارتر (الذي رفضها)، غابرييل غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس لوسا، طاغور، نايبول، ألكسندر سولجنتسين، أندريه جيد، ونجيب محفوظ وساراماغو ونيرودا... ثمة طبعاً أسماء أخرى فازت بها، لكن ثمة أسماء ظلت بلا معنى وجوائز بلا تفسير إلا ما تبرره اللجنة. وربما كان من الصعب بشرياً أن نعتمد على أذواق 18 سويدياً في اختيار الأفضل أو الأهم من بين نحو مئة مرشح من كل اللغات وجميع الثقافات. ومع ذلك علينا تقبلها كأهم جائزة عالمية»...

بحسب النقاد حظي بالجائزة كتاب مغمورون أمثال إسحاق سنجير، كارل سبيتلير، هالدور لاكسينيس. ومن العظماء الذين مُنعت عنهم وكانوا ليشرفوها ويرفعوها إلى منزلة أكثر رفعة: تولستوي، تشيخوف، إميل زولا، جيمس جويس، مارسيل بروست، فيرجينيا وولف، بورخيس. في المقابل، أحياناً أصابت اللجنة الاختيار فأعطت الجائزة لشخصيات معروفة.

الجوائز ليست الأساس في العلاقة بين القارئ والأدب أو القارئ والكتاب، فهي وإن تساهم في مرحلة من المراحل في تسليط الضوء على أعمال هذا الشاعر أو ذلك الروائي، يبقى للمكوث في دائرة الضوء أسراره الخاصة. حتى إن أعمالاً، ورغم أهمية متنها، تبقى أشبه بأداة تعذيب للقارئ، ينفر منها أو يشعر أنه سينام بعد صفحتها الأولى.

معظم حائزي «نوبل» في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب الباردة كانت لهم قضيتهم الخاصة، فالجائزة استطاعت أن تضع في سلم اهتماماتها مجموعة كبيرة من أسماء أدبية كانت لها إشكاليتها الحميمة، فضلاً عن دورها الرائد في المجال الثقافي.

نتأمل في أسماء حملت «نوبل» فنلاحظ مدى كوزموبوليتها، فهي أدّت دوراً بارزاً في خضم الحرب الباردة في ذهابها إلى أسماء أدبية كانت منشقة ضد النظام السوفياتي، فيما لم تبعد نفسها عن أسماء شيوعية أمثال نيرودا، وفي مرحلة لاحقة احتضنت الشيوعيين الروائي جوزيه ساراماغو والمسرحي داريو فو المغضوب عليهما من الكنيسة. واللافت أنا الفائز غالباً ما يكون غير مرغوب فيه من جهة ما بسبب جوهر أدبه كما حصل مع الصيني المنشق جاو كيسنسغيان.

كلام كثير يُقال عن «نوبل الآداب» وفي انتقادها، ورغم أنها أُعطيت غالباً لكتّاب من الدرجة الثانية وربما الثالثة، رغم بشاعة التصنيف،  ومُنِعت عن كتاب ومفكرين كبار، فإنها لا تزال محافظة على مهابها ومصداقيتها! فالجميع يترقبها سنوياً باعتبارها أعلى جائزة وربما الأنبل في العالم.

back to top