عالم مسكون بالدهشة
عالم التقنيات الحديثة والمتطورة بات يرسم لنا عالماً مدهشاً ومذهلاً بشكل يجعل المرء يحلم ويتمنى أن يمتد به العمر حتى يعاصر هذه التقنيات ويعايش جنون إبداعها الذي هو بلا حدود. والأسبوع الماضي لفتت نظري ثلاثة أحداث غريبة كلها في رأيي ستحدث تغيراً كبيراً في المستقبل، وسأبدأ أولاً بالحديث عن تقنية "الهولجرام"، وهي عبارة عن تصوير تجسيمي يُظهر تقنية الأبعاد، وهي أحدث من العرض الثلاثي الأبعاد، لأنها تعكس الضوء من كل الاتجاهات ومن كل زواياها، إلى أن يتم تجسد كامل للإنسان ويعاد بعثه حياً على المسرح بشكل معجز عجيب، وقد استخدمت من قبل في السينما وفي التلفزيون وحتى على المستوى الطبي، لكن في هذه المرة استخدمت كوسيط لعرض ثلاثي الأبعاد في المسرح في الولايات المتحدة، وأتاحت فرصة رائعة للمعجبين بالمغني الميت توباك -يعني الأفعى المشعة- لرؤيته مرة أخرى على المسرح بحفل مذهل شاركه في الغناء المغني سنوب دوغ، الذي مازال على قيد الحياة، مما خلق واقعاً أسطورياً لحفل خرافي مذهل شارك فيه المغني الحي الغناء كدويتو مع المغني الميت الذي أصبح حياً من جديد.
وهذا يثبت نظرية الأشباح الذين يعودون مرة أخرى لحياتهم، لأنهم قتلوا وماتوا قبل أن ينهوا مهمتهم فيها، ومنهم المغني والممثل الشهير توباك الذي ولد عام 1971 ومات مقتولاً عام 1996، فكأن هذا العرض حقق له إرادته في العودة إلى الحياة لينجز ويتم ما كان ينقصه فيها. الجميل في هذه التقنية، التي ستصلنا حتماً وإن طال الوقت لكنها في النهاية ربما ستجد ذاك المنتج الجريء الذي سيقوم بتدشينها كواقع مجسد على المسرح العربي، اننا سنتمكن من حضور حفلات تشارك فيها أم كلثوم وعبدالوهاب في دويتو مع مطربين أحياء مثل فيروز أو صابر الرباعي وغيرهما، وستقوم التقنية بإرساء واقع لعالم جديد يتشارك فيه الأحياء مع الأموات في معجزة تقنية مدهشة ليس لها سقف محدود. التقنية الثانية التي استوقفتني لها علاقة بالطاقة، فالعالم الغربي مازال مستمراً ومهموماً بالكشف والبحث عن مصادر للطاقة بشكل لا يمل ولا يكل ولا يهمد، فنضوب الطاقة تمثل للعالم الغربي كارثة يجب أن يُستعد لها منذ الآن، وليس في حال حدوثها مثلما هو الحال في عالمنا العربي والإسلامي الذي ينتظر حلول الكارثة ثم يبحث لها عن حل أو بديل. ومن هذه التقنيات، التي يقوم الغرب بدراستها والبحث في مصدرها، الأعشاب والطحالب أو ما يسمى بالويدز، وهي طحالب قوية ولها قدرة على الحياة والمحافظة عليها ومقاومة الموت بشكل عجيب، وأتذكر أنني أحضرت معي من لندن كمية حية منها ونسيتها من دون ماء لفترة زمنية طويلة حتى جفت ويبست، وبقيت في مكانها منسية مدة تزيد على السنة، وعندما وصلها الماء عن طريق المصادفة فجأة اخضرت ودبت فيها الحياة رغم القش الجاف فيها، وهذا يدل على مدى قوتها واختزانها لطاقة غير قابلة للنفاد، وحتى في حال موتها فإن طاقتها لا تضمحل ولا تنفد. من هذه الطحالب القوية العنيدة تمكن الباحثون من اكتشاف مصدر مهم للطاقة قادر ربما على تعويض العالم عن الطاقة الناضبة منه، المتمثلة في البترول والفحم والغاز، خاصة أن هذه الطحالب منتشرة في كل مكان، ولها قدرة عجيبة على الاستمرار في التكاثر والنمو بكل مكان ورغم كل الظروف، فهل سيأتي اليوم الذي ستسير فيه السيارات والطائرات بوقود آت من الطحالب؟ الأمر الثالث ليس له علاقة بالتقنية، لكن ربما سيجد فيه العلماء مادة أو موضوعاً تشتغل عليه بحوثهم المستقبلية لتوصلهم وتقودهم إلى تقنية معينة تستفيد فيه من هذا الحدث الذي حصل لدجاجة ولدت كتكوتاً حين بقيت البيضة في بطنها 21 يوماً، نزل بعدها الكتكوت حياً وماتت الدجاجة من الخربشة التي حدثت في داخلها. هذا الحدث المدهش يغير مفهوم السؤال الإشكالي القديم الأبدي، وهو: من جاء الأول البيضة أم الكتكوت؟ وفي حال تمكن العلماء من ولادة الدجاجة للكتكوت من دون إيذائها، فهل سيضحي العلماء بالبيض الذي لا يستغنى عنه ليستمروا في اكتشافاتهم، أم سيضحون بأهمية ولادة الكتكوت؟