فجر يوم جديد: مهرجانات التسوق.. السينمائية!

نشر في 01-06-2012
آخر تحديث 01-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب في أوروبا والدول المتقدمة يُدرك الجميع أهمية المهرجانات الفنية، خصوصاً السينمائية، لكن أحداً لا يسمح، مطلقاً، بأن يقتطع القيَمون على هذه المهرجانات «يورو» واحداً من ميزانية الدولة التي يُقام المهرجان على أرضها، وتصبح مُطالبة بتوفير موازناتها عبر «التمويل الذاتي»، من خلال رجال أعمال أو رعاة أو تبرعات غير حكومية، بل يرى الكثيرون أن استمرارها مرهون بنجاحها في إعمال مبدأ الشفافية قبل تحقيقها العائدات الثقافية والاقتصادية.

أسس ومعايير لا ينبغي التنازل عنها، وإلا تحول المهرجان إلى كيان مشكوك فيه، وحامت الشبهات حول نشاطاته، والهدف من إقامته، وهو المصير الذي تسعى المهرجانات «نظيفة الذمة» و{الخالية من الغرض والمرض» إلى تجنبه، وتحرص جاهدة على توفير، ثم تنفيذ، الضمانات التي تجعله «موضع ثقة» ثقافية، و{محل احترام» عالمياً.

من هنا، تُدرك المهرجانات «مرموقة الشأن» و{طيبة السمعة» أن حضور النجم أو الناقد أو الإعلامي لفعالياتها السنوية يُسبغ شرفاً عليه قبل أن يصبح مثار فخر لها، ومع تعاقب الأعوام، والدورات، تضيف المهرجانات الكثير إلى رصيد من يحظى بمتابعتها، ويحرص على التواجد فيها، وكأنه أدمن حضورها، على رغم أنها لا توفر له ميزة واحدة، باستثناء تأمين بطاقة دخول عروض الأفلام!

في المقابل، تتخذ المهرجانات السينمائية العربية وضعية وصورة مختلفة، تبدو خلالها وكأنها تشعر بشيء من «الدونية» تدفعها، لأسباب غير مفهومة، إلى طرق غواية كثيرة، بغية إقناع، ضيوفها، من نجوم ونقاد وصحافيين وإعلاميين، بحضور دورات المهرجان، ولا تمانع في سبيل تحقيق ذلك من تقديم الكثير من التنازلات، ابتداء من الدعوة الكاملة شاملة نفقات السفر والإقامة، والهدايا إذا لزم الأمر، فضلاً عن الحفلات الساهرة، التي يكاد لا يخلو مهرجان سينمائي عربي من إقامتها، بحجة الترفيه عن ضيوف المهرجان!

تقاليد سخيفة تنفرد بها مهرجاناتنا السينمائية العربية، دوناً عن بقية المهرجانات السينمائية العالمية، لأسباب يُرجعها البعض إلى «الكرم الحاتمي» (نسبة إلى حاتم الطائي مضرب الجود بين العرب) بينما ينظر إليها الضيوف الأجانب، الذين يلبون الدعوة إلى الحضور والمشاركة، بوصفها «سفه» صارخ، وغير معتاد بالنسبة إليهم، وهم الذين يسافرون إلى مهرجانات العالم المختلفة، ويُقيمون في فنادقها المختلفة، على نفقتهم الخاصة، ولا يضيرهم هذا في شيء.

المفارقة المثيرة أن الضيوف العرب، الذين يجدون أنفسهم ضيوفاً دائمين على المهرجانات السينمائية العربية، لا ينظرون إلى التنازلات التي تقدمها، وتصل إلى درجة «التدليل الزائد» و{المفسدة»؛ مثل بطاقة طيران على درجة فاخرة، والإقامة الكاملة Full board، وربما سيارات «ليموزين» للتنقل طوال أيام المهرجان، بشيء من التقدير والاحترام. بل تكون سبباً في الغالب في تعاملهم مع هذه المهرجانات بقليل من الالتزام، وكثير من اللامبالاة، بدليل أن بعضها يتحول غالباً إلى مهرجانات للتسوق لا مهرجانات للسينما؛ فكثر منهم يتواجد في «المولات» والمراكز التجارية الكبرى أكثر من صالات العرض السينمائية أو أمام الشاشات، والغالبية منهم حجز لنفسه مكاناً في تلك المهرجانات بـ «وضع اليد»، وكأنها قطعة أرض أو عقار، وحجتهم في هذا أنهم أصبحوا، بالتقادم،{أعضاء دائمين» في «نادي أصدقاء المهرجان»، ولا ينبغي أن يحرموا، في أية دورة، ولأي سبب من الأسباب، من دعوة الحضور!

هذه الرؤية العجيبة، التي صارت، مع مرور السنوات، بمثابة تركة ثقيلة تتوارثها إدارات المهرجانات العربية، لا تجد لها صدى، ولا مكاناً، في أي من المهرجانات السينمائية العالمية «المحترمة»؛ فالصحافي أو الناقد أو الإعلامي يحجز لنفسه مكاناً بالجهد والعرق والعمل؛ بمعنى أن إدارة المهرجان لا توجه له الدعوة إلى حضور الدورة الجديدة ما لم يُرسل نماذج للتغطية الصحافية والنقدية والإعلامية التي تعكس حجم متابعته الدورة السابقة، وحسب منجزه، سواء من حيث الكم أو الكيف، تقيس إدارة المهرجان، على وجه الدقة، مدى كفاءة الصحافي أو الناقد أو الإعلامي، وأهمية تجديد الدعوة إليه أو إقصائه عن الحضور، لعدم كفاءته، أو تعامله مع المهرجان بغير جدية.

فالدعوة من المهرجانات الكبيرة مكافأة، وليست ترفاً أو نزهة، وهو تقليد موضوعي، وعادل للغاية، اتبعه مهرجان القاهرة السينمائي في أوج تألقه، وسار على نهجه مهرجان أبو ظبي السينمائي في دورتيه الأولى والثانية، ولا تعتد به مهرجانات عربية كثيرة لاقتناع القيمين عليها بأنها مهرجانات للتسوق... ليس أكثر!

back to top