ليلة سقوط القمع

نشر في 24-10-2012
آخر تحديث 24-10-2012 | 00:01
من الوهم أن تظن الحكومة أن الغضب الشعبي المتنامي بسبب الفساد السياسي سيتوقف هكذا تلقائياً بمجرد ضرب الناس وقمعهم، بل إن العكس هو الصحيح كما بينت وتبين لنا تجارب شعوب العالم قاطبة، ومن ضمنها تجارب الشعوب العربية.
 د. بدر الديحاني منظومة الفساد السياسي لدينا "تطوّرت" كثيراً فلم يعد قبول بعض الناس بالفساد السياسي يرضيها، بل تريد من الجميع مباركته والتصفيق له باستمرار أيضاً!

كيف يمكن لأي إنسان لديه ذرة من الشعور الإنساني أن يبرر القمع والعنف المفرطين اللذين استخدمتهما قوى الأمن أثناء مسيرة "كرامة وطن" ضد أناس أبرياء مسالمين؛ كل ذنبهم أنهم حاولوا بشكل سلمي أن يعبروا عن عدم رضاهم عن قرار حكومي استراتيجي يتعلق بحياتهم ومستقبل وطنهم؟

أليس من الأولى بدلاً من قمع المواطنين، وتعمّد إهانتهم ومنعهم من التعبير عن آرائهم، والاحتجاج بشكل سلمي بما يتوافق مع الدستور والمواثيق الدولية، أن يتم البحث الجدي عن الأسباب الحقيقية التي دعت جموعاً بشرية هائلة إلى الخروج إلى الشوارع والساحات العامة، بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الكويت، إذ إن مرسوم قانون تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية ليس سوى القشة التي فجّرت غضب قطاع واسع من المواطنين من أطياف المجتمع كافة ومكوناته السياسية والاجتماعية؟

من المؤسف حقاً أن يتم تجاهل الأسباب الحقيقية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع السياسي المزري؛ مما جعل الناس تخرج بعفوية وبأعداد هائلة إلى الشوارع، ويتم التركيز فقط وبشكل مبالغ فيه على النتائج ومظاهر الأشياء رغم أن ذلك لا يحل المشاكل العامة بل يزيدها تشابكاً وتعقيداً، ويصعّب من عملية حلها في المستقبل.

لقد نجحت المسيرة الشعبية "كرامة وطن" التي شارك فيها، بحسب أكثر من مصدر، ما يزيد على 150 ألف مواطن (بحدود 15% من المواطنين) من أطياف المجتمع ومكوناته كافة رغم الحواجز الأمنية الكثيرة، وإعلان وزارة الداخلية مسبقاً عزمها استخدام القوة لمنعها.

أما بحسابات الأرباح والخسائر السياسية، فإن الحكومة لم تستفد شيئاً من ضرب المواطنين وقمعهم وتعمد إهانتهم، بل على العكس من ذلك فقد خسرت الشيء الكثير من احترام الناس لأن الأغلبية العظمى من البشر لا يقبلون امتهان كرامات الناس مهما بلغت درجة الاختلاف السياسي معهم، حيث إن الكل يعرف تمام المعرفة أن القبول بإهانة كرامة أي إنسان اليوم معناه أن الدور سيصل إلى الآخرين غداً، كما يقول المثل الشهير "أكلتم يوم أكل الثور الأبيض".

لهذا فإنه من الوهم أن تظن الحكومة أن الغضب الشعبي المتنامي بسبب الفساد السياسي سيتوقف هكذا تلقائياً بمجرد ضرب الناس وقمعهم، بل إن العكس هو الصحيح كما بينت وتبين لنا تجارب شعوب العالم قاطبة، ومن ضمنها تجارب الشعوب العربية.

قصارى القول أن تاريخ البشرية يعلمنا أن العنف لا يولد أي شيء آخر سوى العنف، وأن إرادة الشعوب لا تنكسر مهما بلغت درجة القمع، فكلما ازداد العنف انكسر حاجز الخوف وازدادت بالتالي درجة التحدي والتضامن الإنساني... لذلك فإن حل المشاكل السياسية لا يتحقق من خلال بوابة الأمن، بل بالحوار السياسي الوطني، وإفساح المجال أمام الناس للتعبير عن آرائهم واحترام وجهات النظر الأخرى مهما كانت حادة.

back to top