سيأتي اليوم الذي يندم فيه كل مَن شجع على التوسع في استخدام عقوبة الإعدام بشأن بعض الجرائم، ولكن حين يندم أولئك سيكون قد حدث خراب كبير، وسيكتشف أولئك حينئذ أن من تم إعدامهم، هم من الفقراء والمهمَّشين ومن غير أصحاب النفوذ، أو من الذين لا يحميهم نائب أو عائلة أو قبيلة، وعندنا، في الغالب سيكونون من غير المواطنين، كما هو حادث في جرائم الاتجار بالمخدرات. بالطبع لن نجد بين المتحمسين للإعدام مَن يُصِرّ على المبدأ النبوي الخالد "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها" فما يعنيهم هو المظهر، أما الفعل فلن تجد فيه لذلك المبدأ مكاناً. حكاية الإعدام أو التصفية الجسدية هي حكاية قديمة قِدَمَ البشرية، لا جديد فيها، ولا إبداع يذكر. ويبرر كل مجتمع لنفسه طبيعة الجرائم التي تصبح مسوِّغة لقتل مَن يراد قتلهم. في هذه اللحظة التاريخية، فإن آخر إحصاء لأعلى الدول إعداماً في العالم يضع الصين والولايات المتحدة وإيران في القمة، ولا يبدو أن هناك رابطاً دينياً أو ثقافياً أو لغوياً بين الدول الثلاث، بل إن الولايات المتحدة وإيران تنفذان الإعدام على الأحداث غير البالغين، وإن كانت إيران قد أعلنت أنها ستعدِّل ذلك الإجراء، إلا أن ذلك مازال محل دراسة. وعبر التطور التاريخي لظاهرة الإعدام، فقد دأبت الدول على استحداث وسائل للتخلص من مناوئيها وخصومها، حيث لم تكتفِ الحكومات القمعية بالإجراءات القضائية التي قد تتعرض في كثير من الأحيان للعبث بالأدلة وتغييرها والتلاعب بها، بل لجأت أيضاً إلى ما صار مصطلحاً ثابتاً في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو مصطلح "الإعدام خارج نطاق القضاء" وهو إجراء تقوم به الدول لقتل خصومها عن طريق الاغتيال بأي وسيلة كانت، دون أن تزعج نفسها بالمحاكم والقضاء، وتبرز إسرائيل كنموذج صارخ في هذه الخانة، كما تَميَّز في ذلك معمر القذافي وصدام حسين وغيرهما من الإخوة الأعداء، بل إن نظام صدام كان يعطي صلاحية مباشرة لرجل الأمن للقتل المشروع في حالة الاشتباه، فقط الاشتباه! وربما كان أشهر تلك الأحداث قيام الولايات المتحدة بقتل أسامة بن لادن مخالِفة جميع المعايير الدولية ودون محاكمة أو توجيه اتهام، قرار سياسي يُتَّخذ، ويتم تنفيذه، هكذا، بل زادت على ذلك بقتلها أحد المواطنين الأميركان في غارة جوية استهدفته في اليمن، ما أثار ردود فعل غاضبة من المنظمات الحقوقية داخل أميركا وخارجها. الاتجاه العالمي يتزايد نحو إلغاء الإعدام، فإن كان لابد من عدم الإلغاء، فمن الخطأ الإضافة والتوسع في الإعدام تحت أي مبرر، مهما كان، وبالتالي توسعة صلاحيات الحكومات في القتل. وقد يقول قائل إنه مادمنا نخشي فساد الحكومات، فلماذا نسمح لها بسجن الناس أيضاً؟ وهو اعتراض سليم، ويرد عليه بأن السجن بالإمكان نقضه أو الاعتراض عليه بأشكال مختلفة، وقد يجوز فيه تعويض المسجون ظلماً، أما الإعدام فلا تعويض فيه، إن نُفِّذ ضد مظلوم، فهل لنا أن نتخيل حجم المظلمة الواقعة على من يُعدَم ظلماً؟ تتبقى لدينا نقطة مهمة في الحديث عن الإعدام، وهي هل يردع الإعدام الشخص عن ارتكاب فعلته؟! للحديث بقية.
Ad