جاءت نهاية عام 2012 بفأل غير طيب، خصوصا على دول الربيع العربي، التي باتت في موقف لا تحسد عليه، بعدما تزاحمت لدى قياداتها الجديدة الملفات الأمنية والاقتصادية مع المطالب الاجتماعية الملحة، التي ربما كانت العامل الأهم في خروج الشعوب عن صمتها.

Ad

ففي تونس، التي حملت احتفالاتها بالذكرى الثانية للثورة أخبارا غير سارة لقيادة هذا البلد، الذي أطلق شرارة الثورات العربية، هاجم متظاهرون بالحجارة الرئيس المنصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر خلال وجودهما في سيدي بوزيد، المدينة المهمشة اقتصاديا، لإحياء ذكرى إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه.

ورشق المتظاهرون المرزوقي بالحجارة، بينما كان بن جعفر يحاول إلقاء كلمته أمام نحو خمسة آلاف شخص تجمعوا في الساحة التي شهدت حادثة البوعزيزي، وسط هتافات «الشعب يريد إسقاط الحكومة» و«إرحل إرحل»، قاصدين المرزوقي، الذي طلب من جميع التونسيين التحلي بالصبر، قائلاً: «الحكومة لا تملك عصا سحرية لتغيير الأمور إنها تحتاج إلى الوقت لإنهاء إرث خمسين عاماً من الدكتاتورية».

وفي هذا البلد أيضاً، استقوى الإسلاميون المتشددون بصورة لافتة، لدرجة أنهم خرجوا عن طوع الحكومة، التي يستحوذ عليها إسلاميو حركة النهضة في مفارقة وضعت النظام في مواجهة مع نفسه، ومن بين الأحداث الشهيرة اقتحام «مهرجان الأقصى» في مدينة بنزرت، تبعه هجوم لمحسوبين على التيار السلفي على مسيرة سلمية مساء الجمعة 17 أغسطس بوسط مدينة قابس.

وفي ثاني هجوم من نوعه، حطم متشددون محتويات فندق في مدينة سبيطلة في وسط غرب تونس، وحاولوا إحراق حانته، بينما ارتفعت أعمدة الدخان في وسط المدينة التاريخية الواقعة على بعد نحو 60 كلم من مدينة القصرين.

وفي دولة المرابطين، موريتانيا، صعّدت المعارضة احتجاجاتها ضد النظام، مطلقة النداء إلى الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، الذي لايزال يتعافى من محاولة اغتيال فاشلة، بـ»إرحل قبل فوات الأوان».

وقبل أيام من نهاية 2012، نظم حزب تكتل القوى الديمقراطية، أبرز أحزاب المعارضة الموريتانية، مهرجانا جماهيريا حاشدا في نواكشوط، تحت شعار «بشائر النصر»، جدد فيه دعوته للرئيس إلى التخلي طواعية عن السلطة، مشددا على أن ولد عبدالعزيز أوصل موريتانيا إلى الهاوية، وبدد ثرواتها وأدخلها في أزمات متعددة الأوجه لا يمكن الاستمرار في التغاضي عنها.

وفي أبريل الماضي، نظمت منسقية شباب المعارضة، المعروفة بـ«مشعل»، مسيرة راجلة للمطالبة برحيل النظام، اختار لها منظموها عنوان «جاهزون لفرض الرحيل»، وجابت الشوارع الرئيسية في العاصمة نواكشوط.

وفي ساحة الملعب الأولمبي وسط العاصمة تعالت الهتافات بأن «الشعب الموريتاني قرر رحيل نظام ولد عبدالعزيز».

وغير بعيد عن هاتين الدولتين، تراجع السودانيون في ما يبدو عن فكرة اللحاق بركب الربيع، بعد دعوات للخروج في تظاهرات حاشدة في كل أنحاء البلاد لإسقاط النظام، بدأت بجمعة «لحس الكوع»، التي أثارت حفيظة النظام والحزب الحاكم نظرا لكثافة المشاركين فيها، فدفعت السلطات إلى التعامل بحزم وأطلقت قنابل الغاز والرصاص لتفريق المتظاهرين الغاضبين من سياسات الحكومة وارتفاع الأسعار، الذي كان السبب الأبرز في سريان الغضب في الناس كالنار في الهشيم.

ومن تهكم الرئيس عمر البشير على المعارضين، اتخذ ثوار السودان اسم الجمعة الجديدة، فأطلقوا على تظاهراتهم جمعة «شذاذ الآفاق»، وهي التهمة التي رمى بها البشير هؤلاء، مشدداً في كلمة ألقاها أمام نحو ألف طالب في يونيو 2012 على أن «الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار ليست ربيعا عربيا، والشبان الذين يحرقون الإطارات محرشون وشذاذ آفاق».

وأضاف البشير ان «الذين تمنوا ربيعا في السودان أصيبوا بالخذلان»، معتبراً أن «الشعب إذا أراد أن ينتفض فسينتفض أجمعه».