خطاب الإخوان الجديد بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

نشر في 08-10-2012
آخر تحديث 08-10-2012 | 00:01
«كراهية الغرب» و«تبعية الأنظمة العربية» هما الفكرتان الحاكمتان لمجمل الخطاب الإخواني، وشكلتا العصب الرئيسي لثوابت المعارضة الإخوانية في الماضي، لكن الإسلاميين اليوم أصبحوا قادة بلاد الربيع العربي، وخطاب السلطة غير خطاب المعارضة، فإلى أي مدى تغير خطاب الإخوان بعد توليهم السلطة؟ لقد انقلب الخطاب الإخواني 180 درجة.
 د. عبدالحميد الأنصاري قام الخطاب السياسي للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين على امتداد عقود المعارضة للأنظمة الحاكمة على محورين رئيسين:

 الأول: التحريض على "كراهية الغرب" وأميركا خاصة، إذ صوّر الخطاب الإخواني الغرب عدواً أبدياً متربصاً بالمسلمين ومتآمراً عليهم، هدفه إحكام سيطرته على بلاد المسلمين واستنزاف ثرواتها وإضعافهم عبر مشاريع التقسيم وإثارة الفتن الطائفية وغزوهم فكرياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً.

 ومن يراجع أدبيات "الإخوان" الهائلة عبر 70 سنة متمثلة بكتب ودراسات وأبحاث وخطب وقصائد تفيض بها المكتبة العربية، يجد أن الأفكار المحورية التي يدور حولها كل هذا الإنتاج الضخم تنحصر في اتهام الغرب، وتحميله مسؤولية تخلف المسلمين وسوء أوضاعهم، فالغرب المادي الإباحي هو الذي ألغى الخلافة الإسلامية ومنع وحدة المسلمين، وفرّق بينهم، ورسم الحدود، وزرع الطائفية ودعم الأقليات وشجعها على الانفصال.

 لا يكلّ الخطيب الإخواني أو الداعية المتأثر بفكر الإخوان من الاستشهاد بما يحصل من الإساءات الغربية إلى الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام، والغزو الأميركي للعراق وأفغانستان للدلالة على عدوانية أميركا والغرب، وهو على قناعة، ويشاركه في ذلك معظم رموز الإسلام السياسي، أن الحادي عشر من سبتمبر مؤامرة أميركية كبرى لاحتلال أفغانستان، وذريعة لشن حرب ضد الإسلام تحت غطاء الحرب على الإرهاب.

 لطالما ردد رمز إسلامي شهير في دروسه الرمضانية بعد 11 سبتمبر: أن معارك اليوم ليست ضد الإرهاب بل هي ضد الإسلام، ولطالما تبارى خطباء المنابر الإخوانية على زرع كراهية الغرب ومناهضة أميركا عبر استثارة العاطفة الدينية واختزال ما يحصل في الساحة في "هجمة أميركية غربية صليبية متحالفة مع صهيونية حاقدة على المسلمين". يقف الخطيب صارخاً: انظروا كيف يذبحون المسلمين في أفغانستان والعراق واليمن! انظروا جرائم الأميركيين في الفلوجة، يريدون تقسيم العراق لخدمة إسرائيل!

 المحور الثاني: اتهام وتخوين الأنظمة العربية الحاكمة ووصفها بأنها "تابعة" للغرب و"خاضعة" لإملاءاته في التنكيل بالإسلاميين، وإبعادهم عن مناصب التوجيه، و"منفذة" لأجندته في علمنة المجتمع، والخطاب الإخواني إذ يرى الأنظمة العربية أنها "صنائع" الغرب فإنه يسحب اتهامه على المثقفين والمفكرين المخالفين لطرحه الأيديولوجي، ويصفهم بالعملاء الذين يروجون للمشروع الفكري الغربي تحت عناوين الحداثة والتنوير وحقوق المرأة والأقليات.

 أدبيات الإخوان الضخمة على امتداد العقود الماضية حافلة بمفردات "العمالة" و"الخيانة" و"التبعية" و"الغزو الفكري" وهي الأكثر دوراناً في هذا الكم الفكري.

 المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف اتهم الأنظمة العربية بأنها صهيونية أكثر من الصهاينة؛ وذلك بمناسبة التحقيق مع خلية حزب الله للتخريب بمصر، وبعد ثورة 25 يناير قال: لن نترشح للرئاسة الآن خوفاً على مصر، لأن أميركا والغرب والعلمانيين ضدنا.

 هاتان الفكرتان "كراهية الغرب" و"تبعية الأنظمة العربية" هما الفكرتان الحاكمتان لمجمل الخطاب الإخواني، وشكلتا العصب الرئيسي لثوابت المعارضة الإخوانية في الماضي، لكن الإسلاميين اليوم أصبحوا قادة بلاد الربيع العربي، وخطاب السلطة غير خطاب المعارضة، فإلى أي مدى تغير خطاب الإخوان بعد توليهم السلطة؟

لقد انقلب الخطاب الإخواني 180 درجة، فبعد أن كانوا سادة الميادين في مناهضة أميركا ومقاطعتها أصبحوا اليوم يتوددون إليها ويحرصون على صداقتها، وبعد فوز الرئيس مرسي نقلت "واشنطن بوست" عبر مراسلها في القاهرة قول مستشار الرئيس: نتوقع بناء علاقات استراتيجية قوية مع واشنطن، وأكد خيرت الشاطر نائب المرشد: أن تحالف الإخوان مع أميركا تحالف استراتيجي، كما أكد الرئيس المصري في حواره مؤخراً مع نيويورك تايمز: مصر وأميركا صديقان حقيقيان.

 وبعد أن استاء أوباما من تهجم المتظاهرين على السفارة الأميركية بالقاهرة، ألغى الإخوان مسيرتهم المليونية، وقامت الحكومة بالقبض على العناصر المتورطة، وقاد الإخوان حملة إعلامية لتحسين صورة أميركا وتبرئتها من مسؤولية الفيلم المسيء، وتهدئة الجماهير في مواجهة السلفيين الذين قادوا الاحتجاجات الغاضبة.

 لقد كان الإخوان في الماضي وعلى الدوام ومن خلال أدبياتهم، خصماً للمصالح والقيم الأميركية كما يقول عادل الطريفي، حسناً لقد تغيروا، إنه منطق السلطة وهو أمر طبيعي ولا حرج في التغيير بل يراه البعض براغماتية سياسية ذكية لأن السلطة تنشط الاستقرار وتلبية احتياجات الجماهير، وهذه تتطلب علاقات جيدة بالقوى الاقتصادية الكبرى، أعداء الأمس.

 ولكن كيف يبرر الإخوان تغير لغة خطابهم المناهض لأميركا والغرب؟ وكيف يدافعون عن تعاونهم مع أميركا؟ يقولون إن علاقتنا بأميركا علاقة مصالح مشتركة تقوم على الندية والاحترام المتبادل، وترفض الإملاءات والضغوط الخارجية، فهي تختلف عن علاقة النظام السابق والتي كانت "تابعة" و"خانعة" لأميركا، حسناً هذا ما يقوله كل من في السلطة، وهو ما كان يردده النظام السابق في مصر وتونس وليبيا واليمن.

 ولكن ما موقف القوى المعارضة من هذه العلاقات؟ اليسار المصري يرى فيها علاقة التبعية فيقول د. رفعت السيد أحمد "لم أكن أتوقع من مصر الجديدة أن تكون تابعة للإدارة الأميركية"، ويضيف د. رفعت السعيد "أميركا لن تجد أفضل من مرسي لتنفيذ سياساتها بالمنطقة"، ويرى عبدالغفار شكر أمين حزب التحالف الوطني في المساعدات الأميركية لمصر، أنها تمثل علاقة تبعية بامتياز.

 أما عرّاب التقارب بين الإخوان وأميركا، سعد الدين إبراهيم فيرى أن أوراق الضغط الأميركية كثيرة: السلاح والمعونة، لذلك يتوقع أن نظام الإخوان سيخدم أميركا أكثر من مبارك، أما السلفيون الذين يشكلون معارضة اليوم فيستخدمون نفس لغة ومفردات الإخوان السابقة حينما كانوا في المعارضة، وذلك لانتقاد سياسة تقارب الإخوان مع الغرب.

 يتساءل أحدهم: لماذا لم يظهر الإخوان على الساحة مستنكرين الفيلم المسيء إلا بعد 72 ساعة من ثورة الشباب والسلفيين، وهم الذين كانوا في العهد السابق يطالبون بطرد السفير الأميركي ومقاطعة البضائع الأميركية؟! للآن يتحدثون عن رعاية المصالح الوطنية وفي عهد النظام السابق كانت رعاية المصالح رجساً من الشيطان! كيف أصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم؟!

 أما السلفيون الجهاديون فيرون في حكم الإخوان حامياً لعدو الأمة إسرائيل؛ لأنهم يلتزمون بمعاهدة السلام ويرتمون في أحضان الغرب الصليبي، وأن مرسي والغنوشي هما عصا الغرب لضرب المؤمنين المجاهدين؛ مثلما أصبحت حماس تقوم اليوم بدور الأنظمة القمعية ضد المجاهدين في غزة (حاكم المطيري) نظرية التبعية التي سادت أدبيات التنمية في الستينيات والسبعينيات، ساهم في بلورتها أنور عبدالملك وسمير أمين بهدف دفع أبناء المستعمرات السابقة لاستكمال تحريرهم السياسي بتحرير اقتصادي وثقافي. ويعلق الكاتب المصري سليمان جودة على كلام الرئيس مرسي عن عدم تبعية مصر للغرب، فيقول: إن كلام الرئيس جميل بشرط أن يكون اقتصاده يسعفه، وبشرط أن يعكف على خطة اقتصادية، وأن يكون قادراً على الاستغناء عن قرض صندوق النقد، وأن يحصل عليه بشروطه لا بشروط الصندوق، وبما أن الشروط يضعها المقرض لا المقترض فإن مفهوم عدم التبعية يكون كلاماً مفرغاً من المعنى.

 ختاماً: إن من لا يملك اقتصاداً قوياً، فكلامه عن عدم التبعية كلام لا رصيد له، وحكومة الجنزوري السابقة قالت: لن نركع لكنها في النهاية سجدت! وفريدمان في مقالة نشرتها الوطن القطرية مؤخراً قال: إن اتصالاً هاتفياً واحداً أجراه أوباما مع مرسي لمح فيه بأن مصر لن تحصل على فلس واحد من المساعدة إذا لم يتحرك، كان كفيلاً بأن يندد الرئيس المصري بالهجوم.

* كاتب وباحث قطري

back to top