قمت قبل أيام بزيارة قصيرة إلى مدينة دبي الساحرة، والواقع أني في حيرة من كيفية كتابة هذا المقال عن تلك المدينة الرائعة، ولكن لنبدأ من لحظة الوصول، فالمطار يبهرك بروعته؛ نظافة فائقة، وتنظيم رائع، وتخليص لإجراءات السفر بشكل ذاتي. أما المسؤولون عن إجراءات الجوازات فهم من الشباب الإماراتي الذي يتميز بالرقي في التعامل، سألني أحدهم: «عمي هذه أول مرة تزور دبي»؟ أعادني هذا السؤال إلى سنوات المستقبل المشرق، إلى عام 1972 عندما كنت في السنة الدراسية النهائية في جامعة الكويت قسم الاقتصاد والعلوم السياسية، الذي كان يضم في ذلك الوقت تسعة طلبة وخمس طالبات فقط، وكنّا نحظى بـ»فطاحل» من الأساتذة الكرام من أمثال د. يحيى الجمل، ود. أحمد أبوإسماعيل، ود. عزيز شكري، ود. حسن الإبراهيم، ثم د. عبدالله النفيسي الذي أعلن تمرده على المنهج الذي كان يُدرس لعدم شموله على موضوع التاريخ السياسي لمنطقة الخليج العربي والاكتفاء بدراسة تاريخ بعض الثورات في بعض الأقطار العربية، ولذلك تقرر القيام بجولة ميدانية لجمع المعلومات وتوثيقها من رجال عاصروا الأحداث، وقد شملت الجولة كلاً من البحرين وقطر وأبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وواحة البريمي. وقد التقينا عدداً من رجالات الخليج من أمثال عائلة المدفع، كما التقينا مع المقيم السياسي البريطاني في الدوحة، وقد قسمت البحوث إلى مواضيع منها «قضية واحة البريمي»، و«الاستقلال السياسي لدول المنطقة» و«الأطماع الإيرانية في البحرين»، و«الخطر الإيراني على دول الخليج». ما أذكره عن مدينة دبي في ذلك العام، أي عام 1972، عدد من البيوت الصغيرة المتناثرة، وسوق واحد يسمى «السوق المسقوف» وبعض المحال الأخرى... والآن ها نحن نسير في مبنى المطار الرائع، وتمنيت أن يكون لدى المسؤولين عمّا يسمى مطار الكويت الدولي «شوية... غيرة». في الطريق من المطار إلى الفندق لا يمكن أن ترى أرصفة محطمة أو أكواماً من الأوساخ، أو أحداً يرمي بأكياس من القمامة من نوافذ السيارات، لا يمكن أن ترى بقايا سيارات محطمة على جانبي الطريق... التزام كامل بالقوانين. ولعل أروع ما رأيت شعاراً لإدارة مرور إمارة دبي بالوصول بنسبة وفيات الطرق إلى «صفر»... أين نحن من هذا الشعار، ونقول للمسؤولين عن المرور لدينا «شوية... غيرة». مدينة دبي ليست مباني رائعة، وشوارع نظيفة، وقانونا حازما وبحيرات منتشرة في كل مكان، بل إنها غدت عاصمة للثقافة والفن والسينما والصناعة والاقتصاد والمعارض الدولية، ولعل أروع ما في ذلك أن هذه المدينة الساحرة قد استطاعت أن تستقطب الكثير من المؤسسات الإعلامية الدولية والعربية ووكالات الأنباء العالمية، فأين نحن من هذا، وقد «كنّا» رواد الإعلام في المنطقة... نعم نحتاج إلى «شوية...غيرة» إعلامية. في المساء جلست في شرفة الفندق جسدي هناك، وروحي تهيم في الوطن الذي سكن الروح، إلى الكويت الغالية، وكم شعرت بالألم لماذا يحدث ما يحدث في بلدنا الحبيب؟ من المسؤول المواطن الذي يبدي لامبالاة لما يحدث مع تجاوز للقوانين دون رادع؟ أم المقيم الذي جعل المواطن قدوة له؟ أم أعضاء مجلس الأمة الذين حولوا المجلس إلى بؤرة صراع لا ينتهي؟ أم الوزير الذي لا يدري من أين يبدأ بالإصلاح والسهام تأتيه من كل صوب؟ أم سمو رئيس مجلس الوزراء الذي يضع الشعب عليه الكثير من الآمال؟! ونقول للجميع «شوية... غيرة» على الكويت الغالية. وليحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
Ad