جئت إلى جامعة «أيوا-IOWA» الأميركية محاضراً مشاركاً في برنامج الكتابة الإبداعية العالمي، (IWP)، محمّلاً بأفكار وقناعات وتصورات عن الكتاب والكتّاب الأميركيين، لكن «من رأى ليس كمن سمع»، فقد تبدلت قناعات كثيرة لدي بعد أن تكشفت حقائق الأمور أمامي.

Ad

أكاد ألتقي بكتّاب وناشرين أميركيين يومياً، ويدور الحوار حول كتاباتهم وكتبهم وهمومهم، ويومياً يصدمني الواقع. فالكاتب الأميركي، باستثناء تمتعه بسقف حرية لا حد له، هو لا يختلف، لا من قريب ولا من بعيد عن الكاتب العربي، في ما يخصّ إصدار ونشر وتوزيع كتبه، وتحديداً كتابه الأول. ففي لقاء جمعني وزملاء برنامج الكتابة (IWP)، مع الكاتب والناشر «دنيال كلاستشي-Daniel Khalastchi»، ولقاء آخر للدكتور المحاضر في «ورشة الكتابة الإبداعية» في جامعة أيوا «هيو فيرر-Hugh Ferrer» أوضح الكاتبان أن طباعة الكتاب الأول عملية مضنية وشاقة ومكلفة مادياً.

يتحتم على الكاتب بعد إنهاء كتابه البحث عن دار نشر وتحمل مصاريف الطباعة، وعادة لا تتجاوز الكمية (1000 نسخة) إن لم تكن (500)، وبعد طباعة الكتاب، يتحمل الكاتب عبء محاولة إيصاله إلى جمهور القراءة، وانتظار قراءة نقدية قد لا تأتي. وأنا هنا أتكلم عن النسبة الكبرى، النسبة الأعم، ولا أقصد كتّاباً قلائل جداً يشاء قدرهم السعيد أن يكونوا مختلفين، كأن تتبنى دار نشر معروفة كتاباتهم، أو يتناول كتبهم ناقد من نقّاد الدرجة الأولى المسيطرين على الصفحات والمراجعات الثقافية/ النقدية في الجرائد الأكثر انتشاراً وصدى عند القراء، كجريدة «نيويوك تايمز».

إن مجاميع الكتّاب الشباب الأميركيين لا يختلفون في الصعاب التي تواجههم ولا في همومهم الإبداعية والصحافية والمعيشية عن مجاميع الكتّاب الشبان العرب. وكدت مرات كثيرة وأنا جالس مع الكتّاب الأميركيين، أتخيل نفسي أنني في الكويت أو مصر أو سورية أو لبنان أو الجزائر أو المغرب، أو اي قطر عربي آخر.

الوصول إلى نقّاد الصف الأول، يكاد يكون شبه مستحيل، فهم خاضعون لأمزجة تتحكم فيها الصداقات والعلاقات والمصالح والميول الفكرية والشللية، مثلما لهم حساباتهم الخاصة المتداخلة بالنشر والتجارة والملايين، بعيداً عن حسبة الإبداع. وهذا ما يفسر وجود سلاسل كتب (الأكثر مبيعاً-Best-selling books) التي تبيع نسخاً بالملايين، دون عن أي قيمة فنية أو إبداعية عالية. لذا يبدو التمايز واضحاً بين كتّاب معترف بقيمتهم الإبداعية، وبين كتّاب مبيعات، تسوّقهم دور النشر الكبرى من باب التجارة وليس من باب الأدب والإبداع!

ظاهرة أخرى لفتت نظري هنا، تتعلق بجمهور المحاضرات الثقافية، وأنا هنا أتكلم تحديداً عن ولاية (أيوا-IOWA)، التي اختارتها «اليونسكو»، بوصفها العاصمة الثقافية للولايات المتحدة الأميركية، فلقد حضرت كثيراً من أمسيات القراءة في أكثر من مكان، وحضرت لقاء (سؤال وجواب- QandA) يوم 20 سبتمبر، مع  «ديبرا إيسنبرغ-Deborah Eisenberg» التي تُعد إحدى أهم كاتبات القصة القصيرة في الولايات المتحدة الأميركية، كما حضرت أمسية قراءة في مكتبة المدينة (Prairie lights library) مساء 8 أكتوبر للكاتبين المعروفين (مارفن بيل-Marvin Bell)، و(كريستفر ميرل-Christopher Merrill)، إضافة إلى محاضرة (سؤال وجواب-QandA) للكاتبين (جميس ثوماس-James Thomas)، و (روبي شابرد-Robbie Shapard) وفي جميع هذه المحاضرات كان جمهور الحضور قليلاً بدرجة لافتة، بالرغم من الإعلان عن المحاضرات في الجامعة وفي الإنترنت وورقياً في المكتبات والهيئات الثقافية.

جمهور الأدب والثقافة قليل في مدينة «أيوا» المعروفة بكونها «ورشة الكتابة الإبداعية»، مدينة الأدب في طول وعرض الولايات الأميركية، أظن أن هذا أمر يستحق الوقوف عنده وتحليله، وما هو أهم من ذلك مقارنته بوضع المحاضرات الثقافية في أقطار الوطن العربي. فواضح أن حالة الإبداع واحدة في العالم أجمع!