أكتب عن مكتبة جامعة «أيوا» الأميركية، وفي وقت تشتغل فيه عواصم الأقطار العربية بالغضب والنقمة على أميركا، وتحاصر سفاراتها بالهتافات والنار، بسبب الفيلم البذيء المسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. أكتب عن الزيارة الثانية لي للمكتبة التي تحوي ما يزيد على خمسة ملايين كتاب.
قابلت الدكتور «إدوارد مينير-Edward A. Miner» المسؤول عن قسم الدراسات لإفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا». أهديت المكتبة كتاب «العمارة الكويتية» الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكذلك كتاب المصور هاني المواش، الذي يقدم صوراً تحاكي البيئة الكويتية في كل مناحي الحياة فيها، وبعد حديث عن الثقافة والفنون في الكويت، أخبرني أنهم تعرفوا على أعداد مجلة «العربي» مع العدد (306) عام 1984، وحتى العدد (379) عام 1990، بعدها انقطعت أعداد المجلة عنهم لتعاود الوصول إليهم مع العدد (550) عام 2004. وحين أخبرته أن المجلة أصدرت عددها الأول في ديسمبر 1958، وأنها توقفت لفترة تكاد لا تذكر أثناء الغزو الصدامي على الكويت. نظر إليَّ وقد ملأت الدهشة وجهه، وردّ في ما يشبه استغراباً: «هذا ما لدينا».تطرقت معه إلى إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وعلى رأسها السلسلة الشهرية «عالم المعرفة» التي صدرت عام 1979، وبعد بحثه في الكمبيوتر، رفع إليَّ نظرةً يائسة وقال:«ليس لدينا أي عدد منها».طلبت منه اصطحابي لقسم الكتب العربية، وتحديداً كتب الأدب. وفي الدور الثالث أخذني إلى أحد الرفوف قائلاً:«هذا هو رف كتب الأدب العربية».شكرته وأخبرته أنني أفضل تفحص الكتب وحدي. وفعلاً انصرف وتركني أمام رف كتب الأدب العربي. وما أسرع ما جاءت الخيبة إليَّ، وغشت روحي مرارة ظلت تلازمني طوال اليوم.«أيوا» هي العاصمة الثقافية للولايات المتحدة الأميركية، حسب تصنيف اليونسكو، وأيوا، هي المدينة التي تعمّد الكتّاب الأميركان، وجامعة «أيوا» هي الجهة التي تنضم وتحتضن «برنامج الكتابة الإبداعية العالمي» منذ عام 1967. لكن، رف كتب الأدب العربية، لا يرقى لأي رف في أي مكتبة متواضعة في أصغر قرية من قرى الوطن العربي. القليل من المعاجم، وكتب متناثرة عن الشعر والنقد والرواية وبعض الكتب التراثية. كتب تقادم عليها العهد حتى ما عادت تنتمي للحظة إلى الثقافة العربية المعاصرة، ولا تمثل الإبداع العربي بأية حال من الأحوال.عدت للدكتور إدوارد مينر وأنا محمّل بألمي وخيبتي. قلت له إن رف الكتب الأدبية العربية كان صدمة بالنسبة لي، وانني ما توقعت فقره وعوزه، وان مكتبة تحوي ما يزيد على الخمسة ملايين كتاب، كان من المتوقع أن تضم أمهات الكتب العربية، أو على الأقل الأشهر بينها، وأن المعرفة الإنسانية لا تعرف حدوداً ولا تفرقة لجنس أو عرق أو دين.استمع إليَّ الرجل وابتسامة خجولة تعلو محياه، وبهدوء قال:«نحن نعترف بتقصيرنا».وسكت قبل أن يضيف:«وجزء من هذا التقصير يقع على الآخر».ويبتسم بعث فيما يشبه تودداً:«رقصة التانغو تحتاج إلى راقصين اثنين».ولأنه ظل يطالعني ينتظر تعليقي على كلامه، قلت له ومرارتي:«نحن لا نجيد الرقص، ورقص الثقافة تحديداً».نعم، على المثقف العربي أن يبذل جهداً مضاعفاً للتواصل مع الآخر، بعيداً عن الجهد المنوط بالمؤسسة الثقافية في أي من بلدان الوطن العربي.إن زمناً يشكّل العنف الأعمى سمته الأوضح، يتطلب جهداً مضاعفاً ومدروساً ومتصلاً من المؤسسات الثقافية والفنية العربية، في إيصال الصوت العربي للآخر، وربما وحده هذا الصوت قادر على تقديم الصورة الحقيقية للإنسان العربي، بأوجاعه وآماله وربما جزء من أحلامه المعلقة بحبال واهية.
توابل - ثقافات
الكتاب ووصلنا بالآخر
18-09-2012