كنت قد توجهت بطلب أكثر من مرة إلى الإخوان المسلمين السوريين أن يُظهروا حقيقة مواقفهم تجاه مستقبل بلدهم، آخرها في مقال لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نُشِر في عدد يوم الخميس الماضي، وعنوانه: إخوان سورية غير "إخوانهم" وعليهم تبديد مخاوف الأقليات الدينية. وقلت في هذا المقال: إن ما يفعله النظام السوري الآن هو تخويف الأقلية المسيحية والأقليات المذهبية الأخرى، كالدروز الموحدين والعلويين والإسماعيليين والشيعة من أن "الإخوان" قادمون وأن مصير هذه الأقليات، إن أسْقط هؤلاء هذا النظام وفازوا بالحكم، هو التهجير من وطنهم التاريخي على غرار ما حصل مع مسيحيي العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين وغزو القوات الأميركية.
وقلت: ولذلك فإن المطلوب من "إخوان" سورية أن يُظهروا ما يطمئن الأقليات المسيحية والأقليات الأخرى كالعلويين والإسماعيليين والدروز على مستقبلهم في هذه البلاد التي هي بلادهم، والتي هم فيها منذ فجر التاريخ، وأن يُعلنوا أنهم مع التعددية والديمقراطية، ومع الاحتكام إلى صناديق الاقتراع من أجل ضمان تداول السلطة والقبول بالآخر، ومع حق المرأة كعضو فاعل في المجتمع... إن المطلوب هو تبديد كل هذه المخاوف التي بقي يروّجها نظام بشار الأسد ومعه بقايا "الأعوان" العرب، إضافةً إلى تبديد مخاوف الغرب المصاب بفزع "الإسلامو- فوبيا" لكثرة ما تعرض له من ضغطٍ بقيت إسرائيل تروّجه بعد كارثة سبتمبر (أيلول) عام 2001.وقلت أيضاً: إنه غير جائز أن يبقى موقف "إخوان" سورية محاطاً بشيءٍ من الضبابية، إن بالنسبة إلى طبيعة النظام البديل، وإن بالنسبة إلى مشكلة المخاوف التي تساور الأقليات الدينية، فالضرورة تقضي بتأكيد أن مستقبل هذا البلد هو للسوريين كلهم، وأن الشعب السوري بكل فئاته وألوانه العرقية والدينية والمذهبية هو مَنْ سيختار صيغة نظامه من خلال صناديق الاقتراع على أساس ديمقراطية فعلية وتعددية صحيحة.وبعد يوم من نشر هذا المقال اتصل بي رئيس تحرير "الشرق الأوسط" الصديق طارق الحميِّد وأبلغني أن استجابة "الإخوان" السوريين على مطالبي في الطريق، وأنها بما ستتضمنه ستكون مفاجأة كبيرة وصفعة قوية على أفواه الذين بقوا يخوِّفون السوريين والعرب والعالم وكلَّ معنيٍّ ومهتم بأن الاستبداد الديني قادم إلى سورية، وإنه على الأقليات الدينية أن تهيئ نفسها للرحيل... وهكذا، ولم تمضِ سوى ساعات حتى تم تأكيد أن هؤلاء قد أعدوا وثيقة ستُعلَن قريباً تتضمن التزامهم بـ"دولة ديمقراطية تعددية حديثة".إن إعلان هذا الالتزام المهم جداً كان متوقعاً، حتى وإنْ لم أبقَ ألحُّ على "إخوان" سورية أن ينأوا بأنفسهم عن المفاهيم "القرضاوية" التقليدية وأن يأخذوا بالتجربة الأردوغانية- التركية بما فيها علمانيتها، فهؤلاء لهم تجربتهم الخاصة المعمدة بالدماء، وأشدها وأقساها تجربة مذابح حماة في عام 1982 وما تلاها من ملاحقات منذ ذلك الحين وحتى الآن، وهؤلاء يعرفون أن الشعب السوري المكافح لا يمكن أن يقبل استبدالَ استبدادٍ باستبدادٍ جديدٍ آخر... وهنا لابد من تقدير هذا الموقف لهذه "الجماعة" التي يُنتظَر منها المزيد.
أخر كلام
بانتظار خطوة أخرى
26-03-2012