"تغريدة" رئيس المجلس أحمد السعدون عن موضوع الوحدة الخليجية تشرف كل مؤمن بالشرعية الدستورية وحكم القانون وحرية التعبير المقدسة، ولم يكن أحمد السعدون منغلقاً رافضاً كمبدأ الوحدة الخليجية، وإنما كان تحفظه الرصين ينبع من قناعة راسخة بأن أي مشروع وحدة يجب أن يكون بين أنظمة ترتفع في قوانينها وممارستها إلى مستوى الحريات السياسية في الكويت كحد أدنى، بمعنى أن تكون دولنا متشابهة في أنظمتها الدستورية، وهذا غير متحقق الآن.

Ad

ومربط الفرس في فكرة الوحدة الخليجية هو القضية الأمنية في دولنا، وأن هذه الوحدة وقوامها الاتفاقية الأمنية، التي تحفظت عنها الكويت حين وقعت بين دول الخليج في الرياض عام ٩٤، تخترق أحكام الدستور الكويتي في ما يتعلق بقضية حرية التعبير، والأهم من ذلك اختراقها مبدأ "إقليمية القوانين الجزائية"، بمعنى أن القوانين الجزائية لدولة ما، وكما استقرت عليه الشرعية الدولية لا يجوز أن تمتد إلى خارج إقليم الدولة (أرضها أو مياهها الإقليمية)، وهذا مبدأ لا يجوز أن يخضع للاستثناءات إلا في أضيق الحدود.

وفي مثل الاتفاقية الأمنية يصف أحمد السعدون بعض بنودها "بالمهزلة"، فالمادة ٢٨ تنص على التسليم الوجوبي للمتهمين حتى ولو كان الفعل "... غير معاقب عليه في الدولة المطلوب إليها التسليم أو حتى لو كانت العقوبة المقررة للجريمة في الدولة الطالبة التسليم لا نظير لها في الدولة المطلوب منها التسليم..."، يعني لو ارتكب كويتي –في الكويت- فعلاً يعد جريمة في أي من الدول الموقعة على الاتفاقية لكنه ليس جريمة في قانون الجزاء الكويتي، تلتزم الكويت بتسليم مواطنها للدولة صاحبة الاتهام...!.

هذا يعني أن قانون الجزاء الكويتي سينتفخ لدرجة الانفجار، ليضم كل قوانين الجزاء في دول الخليج... وهذا آخر ما ينقصنا ونحن نتجرع اليوم مرارات علقم الإسهال التشريعي الجزائي من مجلس الأوصياء البرلماني، وهذا بالمناسبة وبالمفارقة المحزنة معاً قد يقلل فروق حدود الحرية بمعناها العام الذي نتبجح به في الكويت بيننا وبين بقية دول الخليج...! لكنه من ناحية يبقى هناك الجزء الضئيل المتبقي من حرياتنا حسب الدستور المنتهك من رعاته وليس من أنظمة الخليج، ومن ناحية أخرى لنفهم ونتعلم من التجربة الأوروبية في مسار وحدة أممها بعد الحرب الكونية الثانية، فإجراءات الوحدة لم تكن رد فعل لتهديد أمني مباشر فقط من دولة مثل الاتحاد السوفياتي سابقاً، وإنما نشأ بداية من قناعة مفكرين كبار آمنوا بحرية الفرد مطلقاً، وأن ذلك الفرد الأوروبي لا يجب أن يتعرض لمحن الفاشية أو النازية أو الستالينية.

فكان بداية العمل الدؤوب لمفكرين مثل كونراد ادناور وكاسبري وشومان، ولخص المفكر الفرنسي جان مونيه كأحد أكبر مهندسي الوحدة الأوروبية الموضوع بعبارة "... نحن لا نريد أن نربط بين دول وإنما بين شعوب..."، واتحاد دولنا الخليجية إنما هو مشاريع أمنية لأنظمة حاكمة وحريات شعوبها ليست مسألة ذات أهمية عندها... فالدولة هي النظام الحاكم والنظام الحاكم هو الدولة، وهذا ما استعرناه من لويس الرابع عشر من فرنسا قبل الثورة العظيمة، وحتى الآن يعد فكر جان مونيه الفرنسي بعيداً عنا تماماً.