التقيت في كثير من المناسبات، وفي أماكن مختلفة، بالكثير من الشخصيات المعروفة والأسماء الإعلامية الرنانة. وكثيراً ما صدمني من هؤلاء الناس أسلوبهم المتعالي على من حولهم. ولعلي أكاد أقول بأن السمة الغالبة على هؤلاء هو ذلك، فقليل من رأيت منهم من يتسم بالتواضع والتباسط مع عموم الناس، وكأنهم، ومع اتساع دائرة الشهرة والنجومية ومع تزايد معرفة الجمهور بهم، وبما يقدمونه كائناً ما كان، تنبت لهم أذيال من ريش ملون، حتى ينتهوا وقد استحالوا طواويس بشرية، لا ترى سوى ألوانها وبريق ذيولها، فأعماها عمّا سواه!

Ad

وبالطبع، فأنا أفهم وأقدر أن "المشهور"، ومع مضي الوقت، يصبح يعاني تقلص دائرة خصوصيته، وصولاً في بعض الأحيان والأماكن، ربما إلى انعدامها، ولكن هذا الأمر وعلى الرغم من قسوته وتأثيره على الحياة الخاصة لهؤلاء المشاهير، لا يعطيهم الحق بأي حال من الأحوال أن يتعالوا على الناس، ناهيك عن أن يتعاملوا معهم بقسوة وامتهان.

أقول هذا لأنه لولا الجمهور، ولولا تعلقه بهؤلاء الأشخاص، وتقديره لما يقدمونه، على تفاهته في أحايين كثيرة، وهذا واقع، لما كان لهم وجود أصلاً، ولما نالوا هذه القيمة ولما كانت لهم هذه الشهرة والمكانة الاجتماعية والنجومية الإعلامية.

وبالطبع، فغني عن القول بأن كثيراً من المشاهير، مع تميزهم في جانب من الجوانب، وهو ما منحهم فرصة الشهرة، هم من الناقصين في جوانب أخرى، وربما الفارغين فيها تماماً، وهذا أمر طبيعي، فلا أحد كاملاً ومدهشاً ومبدعاً ورائعاً على كل صعيد، والمشاهير أنفسهم هم أول من يدرك ذلك، ولهذا فمن الواجب عليهم ألا ينسونه أبداً، وأن يتعاملوا مع جمهورهم ومعجبيهم بمقتضاه.

وفي موازاة ذات السياق، قرأت منذ أيام تغريدة جميلة لأحدهم في "تويتر"، يقول فيها ما معناه بأن البعض وما أن يصل عدد متابعيه إلى ألف أو ألفين حتى يبدأ بالتعالي عليهم، ويعيش دور النجم المشهور الذي لا يرد على أحد! وهذا في الواقع الذي صرنا نعيشه صحيح إلى حد كبير، فبالإضافة إلى المشاهير الذين دخلوا عالم "تويتر"، وقرروا عدم الرد وعدم التواصل مع أحد، والاكتفاء بالتغريد "ونثر الحكمة" على "الأتباع" في تويتر، كما يسميهم بهذه اللفظة الغريبة أحدهم، تحول بعض المغمورين أيضاً، ممن صار عندهم بضعة آلاف من المتابعين في "تويتر"، إلى نفس الشاكلة وتلبستهم ذات الحالة الطاووسية!

وهنا أستطيع أن أقنع نفسي، وأفهم أن المشهور ممن يتابعه مئات الآلاف، لا يمكن له بطبيعة الحال أن يجيب على كل التساؤلات وأن يتفاعل مع الجميع، لكن تبقى هذه حالة استثنائية ولا يصح أن تصبح هي القاعدة، ولا يمكن لي أن أتقبلها من الجميع. فكرة "تويتر" وعموم شبكات التواصل الاجتماعي، تقوم على التواصل، كما هو واضح من اسمها، وبالتالي فلابد من التواصل فعلا مع المتابعين، مهما كان الأمر عسيراً وشاقاً، والاعتذار بلباقة ممن لا يسع التواصل معهم.

على أي حال، يظل "تويتر" عالماً غرائبياً يحتاج من المهتمين إلى المزيد من الملاحظة والدراسة، فلا يزال فيه الكثير مما لا يمكن تفسيره وفهمه مباشرة. على سبيل المثال، لا أستوعب أن يتابع مئاتُ الآلاف من الناس بعضَ المشاهير، بالرغم من أنهم لا يغردون بشيء مفيد في الغالب، وربما لا يغردون على الإطلاق. كذلك لا أفهم أن يقوم المئات بإعادة إرسال تغريدة باهتة وعادية لمجرد أن من كتبها هو واحد من هؤلاء المشاهير لا أكثر، في حين لا تحظى تغريدة رائعة ومتميزة وعميقة بذات القدر من التفاعل لمجرد أن كاتبها شخص غير معروف. هذا، وغيره، يجعلني أؤمن بأن الكثيرين يتابعون المشاهير ليس لأن لدى هؤلاء شيئاً يقولونه في الحقيقة، بل ليس لأن لديهم فائدة تذكر، وإنما هي حالة الانبهار وحب الانتماء لما يعتقد بأنه متميز، حتى ولو كان في حقيقته على عكس ذلك. ولهذا أظن أن المشاهير، الطواويس على وجه الخصوص، هم أجدر الناس بالتفكر في صميم الأمر، لعلهم من بعد ذلك يتواضعون!