ماذا تريد إسرائيل؟!
رغم مرور أكثر من ثلاثة عشر شهراً على أخطر ما تعرضت له سورية في كل تاريخها الحديث، فإن موقف إسرائيل إزاء ما بقي يجري في بلد رئيسي ومحوري في المنطقة، غير معروف على وجه التحديد، فهل هي لاتزال تتمسك بهذا النظام الذي بقي يحرس احتلالها لهضبة الجولان على مدى كل هذه الأعوام الطويلة؟ أم أنها تفضل الانتظار لمعرفة البديل غير المعروف، لا لديها ولا لدى غيرها، نظراً إلى عدم بروز تيار أو حزب قيادي في هذه الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة شعبية فعلية وحقيقية؟!في البدايات عندما انطلقت شرارة هذه الثورة الشاملة يبدو أن إسرائيل، مثلها مثل غيرها، لم تأخذ ما جرى في مدينة درعا الحورانية في الخامس عشر من مارس عام 2011 على محمل الجد، وهي كانت تعتقد، مثلها مثل غيرها أيضاً، أن هذا النظام الأمني الفئوي عصيٌّ على "تسونامي" الربيع العربي، وأنه يختلف عن نظام زين العابدين بن علي ونظام حسني مبارك... وأيضاً عن نظام "الأخ قائد الثورة" معمر القذافي الذي انتهى نهاية مرعبة يبدو أنها تنتظر بشار الأسد!
لاشك أن إسرائيل يهمها كل شيء في سورية، حتى وإن كان مجرد طرد محافظ من وظيفته أو تصفية مسؤول وإصدار بيان بأنه انتحر بإطلاقه ست رصاصات من مسدسه الشخصي على رأسه، أو استبدال ضابط بآخر، لكن مع أن شرارة درعا قد انتقلت في طول البلاد وعرضها، فيبدو أن الإسرائيليين، مثلهم مثل بعضٍ غيرهم، قد صدَّقوا ما بقي يقوله بعض كبار المسؤولين السوريين من أن كل ما جرى بعد الخامس عشر من مارس قبل الماضي قد أصبح وراء ظهورهم، وأن نظام بشار الأسد راسخ ولم يهتز، وأنه بالعنف وبالمزيد من العنف سيكون مصير هذه الانتفاضة الجديدة، غير المتوقعة، كمصير انتفاضة حماة في عام 1982، التي قمعها حافظ الأسد بعنف بدائي ضمِن له ولابنه استقراراً منذ ذلك الحين وعلى مدى نحو ثلاثين عاماً.لكن ما بات مؤكداً هو أن إسرائيل غدت تعرف تمام المعرفة أن ما بقيت تعيشه سورية على مدى عام وأكثر جديٌّ وليس مجرد هبَّة عاطفية عابرة، وأن نظام بشار الأسد لم يعد عصيّاً على هذه الرياح العاتية، وأن الأيام المقبلة ستحمل معها تطورات كثيرة، إن بالنسبة إلى هذا البلد أو بالنسبة إلى المنطقة كلها، لكنها (أي إسرائيل) مع ذلك بقيت صامتة، وبقيت تراقب الأمور عن بُعد، كأن هذا الذي يجري لا يجري في بلد مجاور، وله انعكاساته المباشرة على الدولة الإسرائيلية، بل في جزر "واق الواق".. فما هو السبب يا ترى؟!إنه لابد من الإشارة إلى أن هناك قناعة تصل إلى حدود اليقين بأن هناك اتصالات وعمليات بيع وشراء سياسية قد تمَّت بين نظام بشار الأسد وحكومة بنيامين نتنياهو، وأن ما قاله رامي مخلوف حول أن "أمن إسرائيل من أمن سورية" قد جرى تأكيده باتفاقيات شاركت روسيا في إعدادها والإشراف عليها، وبالتالي فإن المؤكد أيضاً أن الإسرائيليين هم الذين يقفون وراء تخاذل الرئيس الأميركي باراك أوباما ووراء مواقفه المائعة إزاء المذابح المستمرة والمتصاعدة التي بقي يتعرض لها الشعب السوري على مدى أكثر من عام... وهنا فقد يكون ما يقال عن أن الدافع وراء كل هذه المواقف الإسرائيلية هو الاستمرار في تأجيل لحظة الحسم، لضمان تحول الأحداث في هذا البلد إلى حرب أهلية، ولضمان انهيار هذه الدولة كدولة... والله أعلم!