تقرير اقتصادي: في مئوية «الطفحة»... هل تعود الكويت نموذجاً للاقتصاد القوي؟
• قبل 100 عام كانت مركزاً صناعياً تجارياً ومحطة ترانزيت بنظام ضرائبي
• عام 1912 بلغ عدد السفن 800 بدخل 6 ملايين روبية... و30 ألف عامل
• عام 1912 بلغ عدد السفن 800 بدخل 6 ملايين روبية... و30 ألف عامل
في مثل هذه الأيام قبل 100 عام، كانت الكويت على موعد مع فورة اقتصادية ضخمة أطلق عليها لاحقاً "سنة الطفحة".ففي عام 1912 شهدت الكويت أكبر نشاط اقتصادي في تاريخها، إذ بلغ عدد سفن الغوص الكويتية في هذا الموسم أكثر من 800 سفينة من مختلف الأنواع وتجاوز دخل الغوص 6 ملايين روبية، في حين كان حجم قوة العمل وقتذاك 30 ألف عامل، فضلاً عن المهن البحرية اللوجستية كصناع السفن ومن يعمل بـ"العماير"، وهم المتخصصون في بيع مستلزمات الغوص والسفن، وهو رقم كبير مقارنة بعدد سكان يتراوح بين 100 و110 آلاف نسمة في ذاك الوقت.
مؤشرات وأرقاموكان لسنة "الطفحة" مؤشرات مهمة، يمكن رصدها في النقاط التالية:• الكويت كانت حينذاك مركزاً صناعياً مهماً في المنطقة، إذ إن السفن التي كانت تقوم عليها تجارة الغوص كانت كويتية الصنع، كما أن الكويت كانت مركزاً تجارياً يربط ما بين الهند وشرق إفريقيا ومحطة ترانزيت للبضائع إلى دول الجوار.• النشاط البحري الضخم أفضى إلى ضريبة يسددها التجار لمصلحة خزينة الإمارة، إذ كانت ضريبة الغوص التي كانت تدعى "قلاطة الشيوخ" توازي 3 أسهم من أصل 81 على كل سفينة أي ما يعادل 3.7 في المئة من إجمالي الموسم بما يعادل 222 ألف روبية في عام 1912، وهو مبلغ قياسي.• من نتائج الوفرة المالية في هذا العام دخول فئة جديدة من العملة الهندية المتعامل بها في الكويت قديما من فئة 1000 روبية تفاعلاً مع حجم السيولة الكبير.• مدخول الغوص كان له أثر لافت في زيادة حجم العمل والرواج الاقتصادي وتوسع الأسواق التجارية الجديدة، إذ تجاوز عددها 40 سوقاً وسددت الكثير من الديون على المواطنين.• زادت حركة الهجرة من دول المحيط إلى الكويت وصارت محطة رزق للمهاجرين في حين تمركز عدد من التجار سنوات طويلة في الهند حيث التجارة والبضائع الرئيسية.• انتعشت حركة التصدير إلى العراق والشام، ومارس الكويتيون التجارة مع أسواق جديدة مما أدى إلى مزيد من الازدهار وقتها.ليست مجرد ذكرى الحديث عن سنة "الطفحة" ليس لمجرد مناسبة الذكرى المئوية، بل قراءة لمؤشراتها الاقتصادية والمالية ومقارنتها بأحوال الاقتصاد الكويتي اليوم الذي لا يشبه سنة 1912 إلا بـ"الطفحة" المالية دون أي مؤشرات تتحدث عن رواج اقتصادي في بلد تلعب الدولة فيه دور رب العمل بنسبة 90 في المئة من المواطنين من إجمالي قوة العمل الوظيفية ويشكل النفط نحو 93 في المئة من إجمالي الدخل.المقارنة ما بين "الطفحتين" تؤكد أن الكويت كانت تعيش قبل 100 عام نموذجاً اقتصادياً بقدر ما هو بسيط ومحدود الا انه كان سليما جدا من حيث فرص العمل والانتاج ودور الدولة المشرف على الاقتصاد لا المتحكم فيه، وهنا يتبين أن المشكلة ليست في الثروة أو تخمتها بقدر ما هي في طريقة إدارتها، خصوصاً بعد اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية ضخمة.النفط والإدارةوحتى المنتج الوحيد الذي يقوم عليه الاقتصاد الكويتي وهو النفط لم تتعامل الدولة معه إلا وفق "أكسل" الوسائل من خلال التركيز على بيع النفط الخام في حين أنه كان بالإمكان تحويل الكويت إلى عاصمة للتكرير والبتروكيماويات والمشتقات البترولية، بالضبط كما تفعل السعودية حالياً.بل إن الكويت خلال 100 عام ما بين "الطفحتين" فقدت مميزات كانت موجودة أصلاً فالمركز التجاري الصناعي تقهقر إلى مشروع مركز تجاري مالي على الورق والإدارة المنظمة للاقتصاد والتعاملات تحولت إلى جهة مالكة مسيطرة على الثروة والإدارة والإنتاج فضلاً عن العوائد غير النفطية المتمثلة في الضريبة تحولت اليوم إلى عوائد بيع نفط سهلة ناضبة في المستقبل.فضلاً عن قوة العمل الشبابية التي كانت قبل 100 عام في مجملها تعمل لدى القطاع الخاص باتت تعمل اليوم بالحكومة وتشكل عامل ضغط على المستقبل، خصوصاً إذا لم تستطع الدولة أن توفر فرص عمل لاستيعاب مجتمع استثنائي يشكل من هم دون الـ21 عاماً نحو 51 في المئة من إجمالي السكان.تحديات المستقبلإذا كان الاقتصاد الكويتي ما بعد سنة "الطفحة" قد تأثر بعوامل أهمها سياسية وأمنية قللت من تنافسيته بشكل تدريجي إلى حين استكشاف وتصدير النفط فإن التحديات السياسية والأمنية اليوم هي أقل ما يواجه اقتصادنا من تحديات، فالضغوط على الميزانية وأوجه الإنفاق وفرص العمل وأسعار النفط والقدرة على توفير الخدمات لمجتمع يغلب عليه الشباب الذين يجب أن يكونوا عنصر دعم لا ضغط للاقتصاد.عوداً على بدء، لقد كانت سنة "الطفحة" مثلاً راقياً رغم محدوديته على الاقتصاد المنتج الحقيقي، القائم على حركة التجارة والتصدير والقطاع الخاص المبادر مع إدارة الدولة في مناحٍ تنظيمية، فتوافر العمل والإنتاج والتنافسية، وهي أمور مفقودة إلى حد كبير اليوم؛ في زمن الطفحة النفطية الثانية.