يبدو لي أن كل ما يدور حولنا من عنف أعمى، يمارس فيه الإنسان نفياً للآخر، وعنفاً مجنوناً يُقصي ويقضي على الآخر، يدعو بالضرورة إلى إعادة تأمل المشهد الإنساني من حولنا، والنظر بعمق في الأسباب التي كانت ولا تزال تزيد من توحش الإنسان وضراوته في سحق الآخر، وتلذذه بالقضاء عليه. حتى إن عبارة "الإنسان المتوحش" لم تكن، في يوم من الأيام، معبِّرة عن حال الإنسان كما هي اليوم!
في أحايين كثيرة أشعر بأن ما أشاهده من ممارسات وحشية مخيفة، تخرج بصاحبها من خانة الإنساني إلى خانة أخرى، أربأ بوصفها بالحيوانية، فحتى الحيوان لا يمارس عنفاً إلا دفاعاً عن نفسه، أو سعياً إلى الإبقاء على حياته. ووحده الإنسان بات يقترف العنف، بشكل يومي، وكأنه مجبول عليه، أو كأنه يرى العالم أضيق من أن يسعه والآخر المختلف. إن مشهداً عالمياً ملوثاً بالوحشية والدم، يجعلني أقف أمام الفكر والأدب والفن، كظاهرة إنسانية مغايرة ما زالت قادرة على جمع البشر بأمان ومودة وفرح من حولها. فما زال الإنسان يقرأ كتاب الآخر المختلف، ويتمتع بفنه، ويصغي إلى كلمته كي يتعلم ويستفيد منها. ووحدهما الفكر والفن قادران بامتياز على جمع شخصين لا يعرف أحدهما الآخر ومدّ جسر من الألفة بينهما، ونفي توحش أحدهما تجاه الآخر. في "ملتقى أغادير للرواية"، وكما في كل الملتقيات الفكرية والأدبية تسقط كل الحواجز، ويعود الإنسان كائناً وادعاً يُقبل على أخيه الإنسان مهما اختلف معه، ويتواصل بودٍّ لافتٍ معه، مهما اتسعت شقة الخلاف بينهما. في أغادير المسالمة، أغادير المغرب العربي، بلد شجرة "الأرجون"، التي يحرسها الجبل من جهة، ويتمطى ساحل بحرها الجميل من الجهة الأخرى، وببادرة من "رابطة أدباء الجنوب"، اجتمع نفر من كتّاب الرواية في الوطن العربي، على اختلاف مشاربهم وقناعاتهم السياسية ودياناتهم وميولهم وانتماءاتهم الكتابية، اجتمعوا في ودٍ وألفة، ترسم البسمة ملامح وجوههم، ويضفي الفن من روحه على أرواحهم، حتى ليبدو المشهد مغايراً تماماً لما تبثه الشاشات من جزع العربي بابن وطنه، وإقدامه على قتله وسحله. بالنظر إلى الواقع السياسي والعسكري الذي تعيشه أوطاننا العربية، وسيطرة أخبار التفجيرات والتدمير والقتل اليومي المجنون على كل شي، بدا المشهد لافتاً وساراً في قدرة الأدب العجيبة على تجاوز كل العقبات، وإعادة شيء من الإنسانية لممارسة الإنسان. لقد اتخذ ملتقى أغادير للرواية موضوع "الرواية العجائبية" عنواناً أساسياً لأعمال جلساته، اعترافاً منه بدور الرواية المهم كجنس أدبي في حياة القارئ والمتلقي العربي، إضافة إلى كون العجائبي بات مسيطراً على مشهد الحياة اليومية العربية من حولنا، وبالتالي لا مناص من الوقوف عنده. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فنتازيا وعجائبية الواقع العربي المتغير باتت أكبر من أي فنتازيا روائية، وأن أحداث الواقع المتسارعة والمتغيرة، أضحت تستعصي على الرصد والتدوين. ما يميّز ملتقى أغادير للرواية عن غيره من الملتقيات العربية، هو قيام شباب متطوع يؤمنون بالأدب والإبداع بتنظيمه بعيداً عن أي جهة رسمية، وهذا يضفي على أجواء الملتقى روحاً من الموده الخالصة وروحاً من البساطة والحميمية، خاصة وأن الحضور جاء من شتى أقطار الوطن العربي. إن وقوفي في حفل الافتتاح وتكريمي إلى جانب الروائيين المغربيين مبارك ربيع ويوسف فاضل، وتقديمي لشهادة عن اشتغالي في كتابة الرواية، بتجاور الواقعي والعجائبي، أشعرني بفرح كبير، كونه يمثل حضوراً وتكريماً للرواية والروائيين الكويتيين، وكونه أتاح لي فرصة التواصل مع أسماء روائية وقصصية كنتُ منذ زمن أطمح إلى رؤيتها والتعرف عليها، بعد أن تعرفت على أعمالها، وعلى رأس أولئك يأتي الكاتب القصصي أحمد بوزفور، الذي يمثل أحد أهم الأسماء العربية المعاصرة التي أضافت الكثير إلى فن القصة القصيرة، وانتقلت به من مصاف المحلية إلى العالمية بكل اقتدار.
توابل - ثقافات
ملتقى أغادير للرواية!
29-05-2012