سأتحدث عما هو دائر "الآن" في العقل الرسمي كما سرب أو يراد له أن يسرب لجس النبض وقياس ردود الأفعال.
قبل أيام قليلة وردتنا معلومات تتحدث عن أجواء من استعادة الروح تسود داخل المعسكر الحكومي بعد تزايد ظاهرة العزوف الجماهيري عن التفاعل مع أنشطة المعارضة الاحتجاجية، وتفكك الجبهات المناوئة للحكومة إلى "يافطات" لا يستطيع أي مراقب مجتهد حصرها أو وضع إطار واحد يفسر ظهورها.هذه المعلومات تتركز حول إمكانية استغلال الظروف الاستثنائية التي قد يوفرها حكم المحكمة الدستورية "الافتراضي" ببطلان قانون الدوائر الخمس من خلال إصدار مجموعة من مراسيم الضرورة غير قانون الدوائر الحكومي الجديد لإعادة ترتيب و"ضبط" الحراك الشعبي وكل مغذيات ذلك الحراك، وقد لوحظ حتى قبل توجه الحكومة إلى المحكمة الدستورية خروج مجموعة من التصورات المفصلة لقانون الدوائر وعدد الناخبين وتوزيعة المناطق وعدد الأصوات في ورقة الترشيح.من بين تلك القوانين قانون التجمعات الذي أسقطت المحكمة الدستورية بعض مواده عام 2006، وأبقت على مواده الأخرى، وسبق للحكومة أن عرضت قانونا بديلا عام 2007 وتراجعت عنه، التعديلات على قانوني المطبوعات المرئي والمسموع اللذين ثارت حولهما ضجة كبيرة أوائل عام 2010 بسبب جنوح تلك التعديلات نحو فرض المزيد من القيود على وسائل الإعلام والعاملين فيها، وأخطرها تفعيل الرقابة المسبقة وزيادة مبالغ الغرامات بصورة "مبالغ" فيها.ولأجل المزيد من خلط الأوراق لا يجد "العقل الرسمي" مانعاً من خوض هجمة عكسية مرتدة على "يافطات" المعارضة عبر تمرير مجموعة من القوانين التي تمت المطالبة بها سابقا من عدة قطاعات مثل قانون "حماية الوحدة الوطنية"، حزمة قوانين مكافحة الفساد وتحقيق النزاهة، إنشاء هيئة عليا للإشراف على الانتخابات.وحتى القانون الحكومي البديل للدوائر لن يكون هناك حرج من تشكيل لجنة "وطنية" تقوم بهذه المهمة على أمل زيادة التطاحن السياسي على الساحة، وإطالة أمد الفراغ التشريعي، خصوصاً أن بطلان قانون الدوائر الخمس يعني حل مجلس 2009 تلقائيا دون مرسوم وأسباب.إن العقل "الرسمي" لم يعد اليوم بحاجة ماسة إلى استمالة رموز الأغلبية المبطلة بعد تبدل موازين القوى وتغير نوع وكم معسكرات الاصطفاف ضدها، والأمر الثالث والأخير هو إعلان المعارضة للقطيعة السياسية مع الحكومة بعد أن قررت نيابة عن "الشعب" أن الشيخ جابر المبارك هو آخر رئيس وزراء من ذرية مبارك الصباح!في الختام إن الميل الفطري لدى الحكومة وحكومة الحكومة نحو المزيد من تقليص مساحة الممارسة الديمقراطية، جعلها مرة جديدة تقرأ معطيات الساحة بصورة خاطئة، فالمعارضة وأعني الأغلبية النيابية المبطلة ما زالت تبحث عن ورقة جديدة ترمم فيها رصيدها الشعبي المتراجع، وهذه الورقة لن تأتي سوى بخطيئة مثل الخطايا التي اقترفتها حكومات العهد السابق أو عبر إطالة الفراغ التشريعي والعبث بأداة مراسيم الضرورة.إن ما يجب أن تستوعبه الحكومة هو أن النقمة الشعبية على أغلبية النواب مجرد حالة مزاجية مؤقتة ضد من وعد وأخلف، ولكنهم أي الناس سرعان ما سيلتفون ببنادقهم على من يملك المال والإمكانات والقرار التنفيذي، وما زال متجمدا في مكانه يتأمل السماء ويراهن على الوقت وأوهام مستشاري الخيبة.افهموها؛ مشاكل الناس وأحلام الشباب وزمن "تويتر" هي الحزب الذي سينتصر عليكم في كل انتخابات بدائرة واحدة أو بخمسين دائرة؛ بصوت واحد أو بخمسين صوتاً.
مقالات
الأغلبية الصامتة: أبشروا بأطواق النجاة
13-09-2012