عادل إمام بريء يابيه!
هل كانت مفاجأة إعلان المحكمة براءة الفنان عادل أمام من تهمة تحقير الأديان والاستهزاء بها، بعد إدانة مبدئية قضى طوال العام في شد وجذب لدفعها عنه؟لا أظن أن المحكمة كانت تستطيع أن تدين الفنان عادل أمام، ليس لأن الفنانين فوق القانون، بل لأنها كانت تهمة مجانية أطلقها أحد المحامين، الذي للأسف نستخدم لقب "إسلامي" حين نلجأ إلى تصنيفه وكأن ما يفعلونه له علاقة بالإسلام، لكنهم اختاروا هذا الوصف فتبعناهم كأننا نقرهم عليه.
وقد خرج اليوم من بين صفوف الإسلام الحركي من ظنوا أن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم مؤشر لمباشرة برنامجهم السياسي الذي يتضمن محاكمة الإبداع والفن وحرية التعبير.كل ما فعله عادل إمام في أفلامه محل الاعتراض هو انتقاد ظاهرة الإرهاب التي تستبيح قتل الأبرياء وتوظيف "الغلابة" والفقراء الذين لم يريدوا أن يدخلوا حرباً دينية بقدر ما كانوا يريدون التحرر من فقرهم وهامشيتهم في المجتمع، كما أدان تفجير الإنسان نفسه في ميدان عام قد يكون مسجداً وبين مصلين، واختطاف الشباب والتغرير بهم من خلال المعسكرات الشبابية، وغسل أدمغتهم بأدبيات تكفر المجتمع ومؤسسات الدولة وتحرض على الخروج عليها، حتى بات الفرد منهم يعترض على تعليم الحساب والرسم واللغات الأجنبية في المدارس الحكومية ويكتفي بتدريسهم العلوم الشرعية فقط كالقرآن والفقة والحديث في المسجد. حين خرج أحد الشيوخ قبل شهر وشتم إحدى الفنانات وقال عنها إنها "عجوز خرقاء"، مؤكداً أنها "لن تدخل الجنة لأنها ملعونة"، لم يكتف بهذه الشتائم بل أخذ يؤصل لفضيلة الشتم والقذف على أنها خلق إسلامي، واستشهد بحوادث كان فيها الصحابة يشتمون وكأن هذا ما غاب عن المسلمين طوال هذه السنين فأحيا هو هذه السنة فنسي جمهوره أن النبي لم يكن لعاناً ولا شتاماً، بل لم يكن حتى غليظ القلب وإلا لانفض الناس من حوله.فتح ملفات المحاكمات للفنانين والفنانات والكتاب والإعلام حتىولو لم تنته إلى إدانتهم- وحتى لو ساندهم الرأي العام والنقابات- فإنها على الأقل تنجح في تحقيق هدفها، وهو تعكير الصفو العام وتشويه المتهمين وتعطيل الناس عن مصالحهم وتخويفهم بكثرة الضجيج والضغط على سقف التعبير على رؤوسهم ليصير أضيق.يعرف الكثيرون منذ أن انطلقت قضية عادل إمام التي اشتهرت أكثر من قضايا فنانين آخرين كوحيد حامد وشريف عرفة، أن القضية لن تخرج بشيء، لكن أن يجد المبدع نفسه سواء كان فناناً أو كاتباً أو صحيفة أو حتى مواطناً عبر عن رأيه في مواجهة محكمة، فهذا يعني أن يقضي المرء جل وقته في الدفاع عن نفسه بدلاً من الحدب على مشروعه وتوفير جهده وطاقته.في كل العالم وليس في العالم العربي فقط، تجد اليمين المتطرف هو أشد الناس حباً للخصومة ومستعد دائماً لمقاضاة الآخرين وشكواهم والتظاهر من أجل قضاياه في الخصومة لا الانتقام، بينما المعتدلون والليبرالون لا يدافعون عن أنفسهم بمثل هذه الضجيج والحدة، فهم مسالمون يحبون الحياة ويريدون أن يعيشوها بسلام وليس لديهم وقت لهذا، والمثل يقول "الفاضي يعمل قاضي".