الصوت الواحد... المسمار الأخير!
أؤمن تماما بأن التباطؤ الواضح خلال الفترة السابقة في اتخاذ القرارات الحاسمة لإنهاء حالة الفراغ السياسي التي عاشتها وتعيشها البلاد، والتي صاحبها، ولا يزال يصاحبها، ذلك الكم الهائل من الإشاعات حول مسار الأمور، يكشف جميعه بلا أدنى شك حجم مصداقية النظام وأطرافه تجاه إدارة الدولة وتطويرها وتنميتها. فواضح أن الأمر لا يعدو بالنسبة إليهم أكثر من مجرد لعبة سياسية كبيرة يغيب فيها تماماً الحرص على المصلحة العامة، ويبرز ويسود السعي إلى المكاسب الفردية الخاصة. هذه هي حقيقة الأمر بكل بساطة وأتحدى أن يقال غير هذا ويدعم بالدليل.الحكومة ورئيسها، وكما قلت لمرات عديدة وسأظل أكرر، لا يملكان زمام القيادة الحقيقية للأمور، وما هما في الواقع سوى واجهة شكلية لا أكثر، وأما المفردات والقرارات الحقيقية المحركة لما يجري فيتم طبخها في موقع آخر يهيمن على المسألة برمتها، موقع هو المسؤول المباشر عن تحريك أحجار الشطرنج جميعها، وهذه هي حقيقة "الديمقراطية الكويتية" المنتفخة والمليئة بالكثير من الأحداث والتداولات في ظاهرها، والجوفاء الفارغة في صميمها وباطنها.
إشاعة "مرسوم الضرورة" بتغيير نظام الانتخاب إلى صوت واحد لكل ناخب وفقاً للدوائر الخمس التي أقرت "عدالتها" المحكمة الدستورية منذ أيام، وهي الإشاعة التي قد، وأقول قد، تتحول إلى حقيقة ساعة نشر هذا المقال، أقول إن هذه الإشاعة تثبت ما قدمت به أعلاه، بأن الأمر برمته لعبة سياسية لا أكثر، وإلا فكيف تكون مراسيم الضرورة التي هي بيد الأمير وفي طي كتمانه وإمضاء لإرادته السامية نهباً للإشاعات والتسريبات بهذا الشكل حتى تكون عرضة للتداول المتهافت الذي رأيناه طوال الأيام الماضية على شبكات التواصل الاجتماعي، إن لم يكن المراد والمقصود إشغال وإشعال الساحة بهذا الأمر؟ هذا من جانب وأما الجانب الآخر، ففكرة قصر حق الناخب على صوت واحد لمرشح واحد، وذلك بعيداً عن صحة الإشاعة من عدمها، وبعيداً عن تأثير الأمر إن هو حصل على حظوظ كتلة الأغلبية في الوصول إلى البرلمان مجدداً، هو أمر يسير مبدئياً في الاتجاه المعاكس تماما لكل مشروع صادق للارتقاء بممارستنا البرلمانية وديمقراطيتنا من مستوى العمل الفردي الذي رتعت فيه طوال سنوات طويلة ماضية، عجت بالأخطاء والفساد الانتخابي وإفراغ البرلمان من قيمته الحقيقية، إلى مستوى العمل الجماعي كمقدمة لنشوء الأحزاب السياسية والحكومة الشعبية المنتخبة وغير ذلك.وأما الزعم والترويج لفكرة الصوت الواحد من باب أنه سيقضي على الانتخابات الفرعية والتبادلات الانتخابية وسيسمح بدخول نواب الأقليات وكسر احتكار الأغلبيات القبلية والفئوية، وأنه سيكون تجسيداً حقيقياً للإرادة الشعبية فهو زعم، وإن صح بشكل من الأشكال، لا يرى إلا جانباً واحداً من الصورة ويتعامى عن الجوانب الأخرى التي تشير جميعها إلى أن هذه الخطوة ستكون بمنزلة "المسمار الأخير في نعش مؤسسة البرلمان" وقيمتها كسلطة تشريعية مؤثرة، وتحويلها إلى مجلس خدماتي بحت فارغ على الصعيد السياسي.ليس ضروريا عندي أبدا أن تكون جميع فئات المجتمع "العرقية" ممثلة بنفسها في البرلمان حتى أتخذ من هذا ذريعة للمطالبة بالصوت الواحد، وإنما الضروري والمهم في المقام الأول أن تكون في البرلمان جماعات نيابية فكرية متوحدة تمتلك برامج ومشاريع وخططاً جماعية تكون على مستوى انتشال البلاد من أزمتها المستمرة، وتكون لمصلحة جميع أعراق أبناء هذا الوطن بلا استثناء، وهذه هي الديمقراطية الحقيقية لو كانوا يريدونها حقاً.