الخطأ أصوب من الصواب أحياناً
بعد أن انتهت فترة الامتحانات في مدارسنا نشر بعض المعلمين صور بعض إجابات التلاميذ الطريفة في المواقع الإلكترونية انتقاماً من بلادتهم وتعثرهم في الإجابة عبر الحفظ عن ظهر قلب. واحدة من هذه الطرائف جاءت في إجابة الطالب عن سؤال يقول: ماذا تفعل إذا أصابتك مصيبة؟ فأجاب: أتصل بالشرطة.بحسب النص المراد حفظه الإجابة خطأ، لكن بحسب المنهج العقلي لواقع اليوم فإن الشرطة هي واحدة من المؤسسات الأمنية المهمة التي يلجأ إليها كل مواطن متمدن إذا ما حلت به مصيبة. وحين عرضت الإجابة على قريب لي متخصص في الشؤون الأمنية قال لي: "إن هذا الطالب ذكي".
ووفق علامة صفر التي حظي بها هذا الطالب النبيه فإننا نكون قد خسرنا تلميذاً ذكياً زل به عقله نحو استنتاج عقلي يحتمه الواقع الذي خرج عن النص المحفوظ. وإذا كان منهج الوزارة سيحاسبه على خطئه فالأجدى أن يحاسب المعلم على عدم إجادة صياغة السؤال، فالسؤال لابد أن يشتمل على مقدمة تقريرية تقود منطقياً إلى استنتاج الجواب المراد مثل «إن المؤمن يصاب بمصيبة محزنة أو مؤلمة في عمله أو ماله أو غيره إلخ». المعلمون يضعون صوراً من إجابات الطلبة المضحكة والطريفة كي يكشفوا عن مستوى الطلبة المتدني، لكن الطلبة في نفس الوقت يضعون لهم مشاهد في اليوتيوب تكشف عن الخفة التي يجاري بها المعلمون تلاميذهم، فقد شاهدت مرة في اليوتيوب مدرساً يجلس على مقعد بعجلات والطلبة يدفعونه جيئة وذهاباً في أحد ممرات المدرسة. معلمو اليوم يتبسطون كثيراً مع طلبتهم من منطلق كسب ودهم، لكن الواقع يقول إن الساحر قد فقد سحره، فالمعلم قديماً كان يمتلك المعرفة التي تسحر عقول طلبته وفوق هذا يمتلك العصا التي يضبط بها من يتمرد عليه، إلا أن المعرفة اليوم لم يعد مصدرها المعلم والكتاب المدرسي فقط، وما يعرفه الطالب اليوم أكثر مما يعرفه بعض المعلمين. فيلجأ المعلم إلى منهج الخفة حتى يقال عنه "مدرس cool"، لكن الطالب ليس غبياً فمن تسقط هيبته العلمية يصبح خارج مدار الاحترام، فهو معلم في نهاية الأمر وليس صديقاً.مهما طورت وزارة التربية والتعليم في مناهجها - وأنا أشك أنها قد بدأت أصلاً - فإنها بدون تطوير المعلم الضلع الثالث المهم في العملية التعليمية تخسر التطوير وتخسر نتائجها.أسئلة الامتحانات في شكلها الحالي لا تعتمد إلا على قياس مقدار ما حفظ الطالب، مع أن طرائق قياس التحصيل العملي قد تطورت بل وتتطور كل يوم بأشكال متعددة، بحيث لا تبخس حق القدرات الفردية لدى كل طالب، لكن للأسف الناجحون من طلبتنا هم الحفظة لا المفكرون. إن المعلم الذي أورد السؤال: ماذا تفعل إذا أصابتك مصيبة قد جعلنا نفكر في مصيبتنا نحن في التعليم وأسئلته، وجعلنا نتعجب من طالب بريء يلجأ إلى الشرطة.