لكي لا تنخدع الكويت بالمالكي
اختلفت آراء السياسيين العراقيين حول شخصية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بما لم تختلف على شخصية عراقية أخرى من قبل، فمنهم من وصفه بالشجاع المقدام والبطل المغوار، ومنهم من اعتبره دكتاتوراً بغيضاً، يحاول أن يحكم العراق بالحديد والنار وإعادة العراق إلى نظام الحزب الواحد والقائد الضرورة، من خلال دعوته المتكررة لإعادة السلطة المركزية إلى البلاد وتكريسها في شخصه حصراً ورفضه الشديد لفكرة إنشاء الأقاليم التي أقرها الدستور بحجة أنها تؤدي إلى تقسيم العراق.فالرجل انتقائي من الطراز الأول يختار من الدستور ما يخدم أهدافه، ويخالفه بشدة إن عارض طموحاته التوسعية، ويفعل أي شيء للوصول إلى ما يريد حتى إن وعد فأخلف أو تعهد فغدر أو وقع على ألف ألف اتفاقية ووثيقة معتبرة.
لسنا هنا نتجنى على الرجل، إنما ننقل نتفاً من تخبطاته السياسية ووعوده الزائفة، فعلى سبيل المثال؛ زار إقليم كردستان عام 2009 ثم ألحقها بزيارة أخرى عام 2010 قبل الانتخابات التشريعية في العراق وبعدها والتي اعتبرها "نقطة تحول" في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ووقع خلالها على تعهد بحل الأزمة مع الإقليم، ووافق على شروط الكتل السياسية الرئيسة في اتفاقية سميت باتفاقية "أربيل" لغرض بقائه في منصبه رئيساً للوزراء ثانية، لكن ما إن رجع إلى بغداد وبعد أن حصل على التأييد السياسي المطلوب، نكص عن تعهده وتنكر له وكأن شيئاً لم يكن!فهو بارع في هذا المجال، كلما وجد نفسه أمام استحقاق سياسي فرضته عليه الاتفاقات المبرمة، لجأ إلى هذا الأسلوب، فلم يبق أحد من الشركاء السياسيين البارزين لم يدخل معه في خصومة، سواء عبر إقامة دعوى قضائية ضده أو استخدامه لملفات الفساد والإرهاب للابتزاز السياسي ضدهم، مثلما فعل مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي ظل يحتفظ بملفه الشخصي لمدة 3 سنوات- كما صرح هو بذلك- إلى أن حان الوقت ليشهره في وجهه، وفعل الشيء نفسه مع رافع العيساوي القيادي البارز الآخر في القائمة العراقية، ومازال لديه ملف كامل ضد زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" المتعلق بقضية "مجيد الخوئي" ابن المرجع الشيعي الأعلى أبوقاسم الخوئي الذي اغتيل عام 2003 واتهم فيها الصدر، ولا أحد يعرف متى يستعمله كورقة ضغط سياسية ضده. كما لم يجد النائب السابق "عبدالناصر الجنابي" بداً من الهرب وترك البلاد نهائياً بعد أن همس "المالكي" في أذنه: "عندي عليك ملفات عن مئة وخمسين قضية قتل"، ولم يمنعه حلفه الاستراتيجي مع مسعود بارزاني، من أن يعيد فتح قضية ترجع إلى عام 1996 يتهمه فيها بتسليم مئات من المعارضين العراقيين إلى نظام صدام، فقط لأنه تجرأ عليه وتحداه، ومن خلال بسط سلطته على القضاء والقضاة استطاع أن يتهم أو يبرئ ساحة من يشاء.فعندما كان النائب مشعان الجبوري زعيم كتلة المصالحة والتحرير، يعادي توجهاته ويصطف مع خانة الأعداء المارقين، اتهم بفساد مالي وإرهاب وحكم عليه لمدة 15 عشر عاماً، لكن عندما أراد أن يعود إلى بغداد بتوصية من سورية "الحليفة الجديدة"، وجد نفسه بقدرة قادر بريئاً من كل التهم التي وجهت إليه وأُلغيت عنه جميع مذكرات التوقيف التي رفعت ضده! وخرج كيوم ولدته أمه!فهل بالإمكان بعد ذلك التعامل مع هكذا عقلية والركون إليها في إبرام الاتفاقات والمعاهدات الدولية الكبيرة؟... مجرد تذكير للساسة الكويتيين بمناسبة زيارة المالكي إلى دولة الكويت أخيراً وعقد صفقات استراتيجية معهم!* كاتب عراقي