تفكر بنوك عديدة بمزيد من التمعن في مسألة زيادة أرباحها القصيرة الأجل بقدر يفوق سعيها الى بناء قاعدة مستقرة للتمويل لحماية تلك البنوك عندما ترتفع معدلات الفائدة وهذا أمر محتم من جديد.

Ad

وخلال الأزمة المالية اعتمد مؤسسات مالية كبرى عديدة بشدة على الاقتراض القصير الأجل لدعم وإسناد عملياتها. وتحول ذلك الى مشكلة رئيسية لأنه مع تجمد أسواق الائتمان لم تعد البنوك قادرة على تجديد قروضها القصيرة الأجل المنتهية المدة وبذلك غدت أمام خطر الفشل لأنها لم تتمكن من اقتراض أموال كافية لمواصلة التشغيل. وكان ذلك أحد الأسباب وراء اضطرار الحكومة الى التدخل من خلال ضمانات ديون مؤقتة وبرامج إقراض.

ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال في الآونة الأخيرة مقالة مثيرة للاهتمام بقلم الكاتب ديفيد ويزل حول «الفوائد الخفية» من وراء التيسير الكمي من قبل مجلس الاحتياط الفدرالي. وأشار ويزل بشكل صحيح الى كون الفائدة المتمثلة في التيسير الكمي تعني قدرة المؤسسات على تمويل نفسها بطريقة رخيصة عبر ديون مستقرة طويلة الأجل.

غير أن المؤسف انه فيما بدت المؤسسات غير المالية قادرة على فهم الحكمة من وراء التمويل «الطويل الأجل» في بيئة معدلات الفائدة الحالية فإن من الواضح أن المؤسسات المالية لم تستوعب ذلك الهدف. وبدلاً من ذلك فقد خفضت من اعتمادها على الديون الطويلة الأجل لصالح الإيداعات، ومعظمها يحظى بدعم من جانب «اف دي آي سي» أي المؤسسة الفدرالية لضمان الايداعات، ولصالح قروض مصرفية قصيرة الأجل تعرف باسم «ريبوز». وفي حقيقة الأمر فإن النسبة المئوية لخصوم أي التزامات البنوك الممولة عن طريق الديون طويلة الأجل قد تراجعت من معدلات الذروة البالغة 21.3 في المئة في سنة 2009 الى 15.7 في المئة في نهاية الربع الثالث من سنة 2012. وفي غضون ذلك ازدادت الايداعات من 40.6 في المئة الى 44.5 في المئة خلال الفترة ذاتها. كما أن قروض الريبوز ازدادت أيضاً من 13.66 في المئة الى 14.1 في المئة. وكما أشار ديفيد ريلي في صحيفة وول ستريت جورنال فإن تمويلات الريبو بين أكبر البنوك الأميركية هي في الوقت الراهن على القدر نفسه من الضخامة مثل الديون الطويلة الأجل غير المدفوعة.

ومن شأن استبدال الديون الطويلة الأجل بالودائع تمكين البنوك من تحسين هوامشها من الفائدة الصافية وذلك نظراً لأن تكلفة الودائع المدعومة كليا من الحكومة تقترب من الصفر، فيما تصل الفائدة التي يتعين دفعها على سندات لعشر سنوات مثلاً الى أكثر من 3 في المئة. غير أن ذلك يزيد من انكشاف الحكومة أيضاً اذا تعرضت البنوك لمتاعب من جديد حيث تنتقل المجازفة من حملة السندات الخاصة الى الحكومة. وفيما تتسم الودائع المضمونة بعدم التعرض الى حالة عدم استقرار مفاجئة كما هي الحال مع الريبو والأوراق التجارية وغير ذلك من أدوات الاقراض القصيرة الأجل فإن التكلفة هنا قد ترتفع. وعندما ترتفع معدلات الفائدة سوف يتوجب على البنوك دفع معدلات فائدة أعلى من أجل الاحتفاظ بتلك الودائع، فيما الفائدة المتدنية على الديون طويلة الأجل تظل قائمة لعدة سنوات.

ومع إقراره بأخطار التيسير الكمي يظهر ويزل أيضاً وجود فقاعات محتملة ومتزايدة في أسعار الديون العالية المردود وفي الأراضي الزراعية. وطبعاً يشعر العديد من الناس أن الفقاعة الأكبر تتمثل في تلك التي تعتمل منذ سنين حول سندات الخزانة. وقد انخفضت عوائد سندات دين الخزانة الأميركية ذات العشر سنوات الى 1.6 في المئة من مستواها البالغ حوالي 6.5 في المئة في سنة 2000، عندما كان الاقتصاد الأميركي أكثر قوة بقدر كبير. ولايمكن تبرير هذا الانخفاض في الأرباح ببساطة من خلال أساسيات الائتمان الحكومي وذلك في ضوء عدم قدرة قادتنا المنتخبين على مواجهة ديوننا الوطنية المتزايدة بطريقة فعالة.

* مجلة فورتشن