المتابع الموضوعي غير المنفصل عن الواقع سيلاحظ حتماً أن الاحتجاج الشعبي على انفراد الحكومة بتعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية عن طريق "مرسوم الضرورة" قد تعدى من الناحية السياسية ما يسمى "الأغلبية"، أو أي طرف سياسي مثل "الإخوان المسلمين"، أو فئة اجتماعية مثل "القبائل".
إذ بدأت حركة الاحتجاجات بأنواعها وأشكالها المختلفة تحظى شيئاً فشيئاً بقبول واسع من أطياف اللون الاجتماعي والسياسي كافة لمجتمعنا؛ لتكوّن حركة شعبية عامة معارضة لسياسات الحكومة رأينا بوادر اتساعها شعبياً أثناء مسيرة "كرامة وطن" التي فاجأت الجميع... ومن الطبيعي جداً، بالتالي، أن يرتفع سقف مطالبها السياسية تدريجياً إن لم تلق على وجه السرعة الاستجابة المستحقة من قبل الحكومة.الاصطفاف السياسي الحالي يؤكد أن المرحلة السياسية التي نمر بها هي مرحلة توافق عام على قضايا مشتركة هدفها الأساس ليس المحافظة على الدستور والمكتسبات الدستورية فحسب، بل تفعيل الدستور كاملاً، والبدء بتنفيذ حزمة إصلاحات جذرية سياسية وديمقراطية أيضاً. وهو اصطفاف سياسي شبيه من حيث الشكل بما حصل أيام "دواوين الاثنين" وأثناء انتخابات المجلس الوطني غير الدستوري عام 1990 والحملة الشبابية "نبيها خمس"، لأن الخلاف الفكري في هذه المرحلة السياسية الحرجة ليس إلا ترفاً فكرياً سخيفاً لا يخدم سوى منظومة الفساد بطريقة أو بأخرى.وفي هذا السياق، فإن البعض يتساءل بحسن نية عن سبب المعارضة الشعبية الواسعة لمرسوم تعديل النظام الانتخابي دون غيره من مراسيم الضرورة التي صدرت أو ستصدر أثناء غياب المجلس؟ والجواب هو أن تغيير النظام الانتخابي فضلاً عن عدم دستوريته، هو تغيير جذري لقواعد العملية السياسية من قبل طرف واحد هو الحكومة، مما يعني أن كل ما سيترتب على هذا التغيير الجذري سيكون في مصلحة الحكومة، خصوصاً تركيبة المجلس القادم الذي سيكون هو وحده صاحب الحق في الموافقة على المراسيم أو رفضها وإقرار القوانين كافة المتعلقة بحياة الناس، وبإدارة شؤون الدولة والمجتمع، ومن ضمنها تعديل الدستور ذاته لتفريغه من محتواه الديمقراطي.كما يطرح بعض حسني النية أيضاً فكرة أو إمكان خوض الانتخابات القادمة ثم التصويت، كما يقولون، على رفض مرسوم تعديل آلية التصويت في المجلس القادم، وهي فكرة قد تبدو عملية لأول وهلة، لكن ما يغيب عن بالهم هو أن القضية هنا تتعلق بمخالفة دستورية صارخة ستعطي الحكومة الضوء الأخضر دائماً لتغييب إرادة الأمة متى ما رأت أن تركيبة أي مجلس قادم لا تناسبها، وذلك بتعديل القانون الانتخابي أثناء العطلة البرلمانية أو بعد حل المجلس.ناهيكم عن أن رفض مراسيم الضرورة لا يكون "إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس" (مادة (114) اللائحة الداخلية للمجلس)، وهو أمر من المستحيل توافره خصوصاً أن الحكومة يحق لها التصويت، أضف إلى ذلك أنه من غير المتصور إطلاقاً أن يصوّت أغلبية أعضاء المجلس على إلغاء المرسوم الذي انتُخبوا على أساسه مثلما حدث في مجلس 1981 عندما صوّت الأعضاء بما يشبه الإجماع بالموافقة على مرسوم تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 25 دائرة لأنه القانون الذي انتُخبوا على أساسه!لذلك بدلاً من تضييع الوقت في نقاش سفسطائي لا جدوى من ورائه، وحتى لا تتعقد الأمور أكثر فأكثر فندخل في نفق سياسي مظلم لن يكون في مصلحة وطننا، فإن المطلوب من الحكومة اتخاذ قرارات سياسية جريئة، تخرجنا من الأزمة السياسية المحتدمة، وذلك بالاستجابة الفورية للرفض الشعبي الواسع لموضوع التعدي على حق الأمة... وهنا نقترح التالي:1- سحب المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2102 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يُسحب فيها مرسوم.2- الدعوة إلى انتخابات عامة على القانون رقم (42) لسنة 2006 المقر من قبل السلطتين والمحصن من قبل المحكمة الدستورية.3- إعلان الحكومة و"المعارضة" الالتزام بإقرار قانون انتخابي جديد في بداية عمل المجلس القادم يتم التوافق عليه من الأطراف السياسية كافة بعد طرحه ومناقشته أثناء الحملات الانتخابية.4- حل المجلس القادم بعد إقرار القانون الانتخابي الجديد والدعوة إلى انتخابات جديدة وفق القانون الجديد.فهل من مجيب؟
مقالات
حل مقترح للأزمة
29-10-2012