تسارع وتيرة الأحداث السياسية في ساحتنا المحلية بشكل مزعج  لم يجعلنا نعرف، وقت كتابة هذا المقال، ماذا حصل ليلة البارحة في مسيرة "كرامة وطن 2" السلمية؟ هل قامت وزارة الداخلية بدورها الدستوري فوفرت الحماية المطلوبة لمسيرة سلمية، كما تقوم عادة أثناء المهرجانات التجارية والمسابقات الرياضية. وهي مسيرة يقودها شباب وطني مخلص لا همّ له ولا هدف، كما هو واضح من بياناتهم وطريقة عملهم، سوى المحافظة على مكتسبات الشعب الدستورية وتحقيق الإصلاح السياسي الملتزم بالدستور؟ أم أن قوى الأمن قد استخدمت القمع لمنع المسيرة السلمية من دون أي غطاء دستوري أو إنساني كما فعلت، مع الأسف الشديد، أثناء المسيرة الأولى، ومرة أخرى أثناء مسيرة التضامن الشعبي السلمي مع النائب السابق مسلم البراك خاصة في منطقة صباح الناصر عندما قامت قوات الأمن، التي من المفروض أنها تتحمل مسؤولية أكبر وقدرة أعلى على ضبط النفس وعدم الاستجابة للاستفزاز الفردي الذي قد يحصل بشكل عفوي أثناء المسيرات السلمية العفوية، بضرب الناس وملاحقة الشباب وانتهاك حرمات المنازل بالمخالفة للمادة (38) من الدستور واستخدام الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية والدخانية والغاز المسيل للدموع في الساعات الأولى من الفجر؛ مما أدى إلى ترويع الأهالي والأطفال وكبار السن الذين أسعف عدد منهم للمستشفى المجاور؟

Ad

مؤسف استخدام القمع لمنع التجمعات العامة والمسيرات السلمية رغم دستوريتها، ورغم أنه من المفروض أن الجميع بات يعرف أن طريق القمع والعنف مظلم ومدمر للوطن، فقد فشلت فشلا ذريعا تجارب كل الدول التي استخدمت الأمن والعنف كحل للمشاكل السياسية، ولنا في تجارب الدول العربية خلال العامين الماضيين خير شاهد من تونس إلى سورية مرورا بمصر والبحرين واليمن وليبيا؛ لأن التكلفة المادية والبشرية والسياسية لاستخدام العنف المفرط لمنع الناس من الاعتراض السلمي على القرارات الحكومية باهظة الثمن، ناهيكم عن المخالفات الدستورية ونقض المواثيق الدولية، وما يترتب عليها من تداعيات على المستوى الدولي.

القمع لن يوقف المطالبات الشعبية، بل يرفع سقفها، ومن الواضح حتى الآن أن قطاعاً واسعاً من المواطنين يرفض انفراد الحكومة بتعديل آلية التصويت لما سيترتب على ذلك من نتائج سياسية ودستورية وثيقة الصلة بمستقبل البلد والناس، خصوصا بعد تحصين المحكمة الدستورية لقانون النظام الانتخابي.

لقد عبرت عن هذا الاصطفاف السياسي الواسع مسيرات "كرامة وطن" وبيانات القوى السياسية الرئيسة والمجموعات الشبابية والاتحادات العمالية والطلابية وهو الأمر الذي اتضح أيضا من خلال الضعف الملحوظ للإقبال على الترشح للانتخابات.

لهذا مرة أخرى فإن سحب مرسوم الضرورة الخاص بتعديل آلية التصويت الآن والدعوة إلى الانتخابات على أن يطرح مشروع تعديل قانون الانتخاب على المجلس القادم سيضع حدا للأزمة السياسية الخانقة التي لا أحد يستطيع التكهن بسير تطورها ودرجة تعقيدها إن لم تتراجع الحكومة بسرعة عن قرارها، واستمرت في استخدام العنف المفرط لمنع الناس من التعبير عن رفضهم لهذا القرار، رغم أنه حق إنساني ودستوري للناس لا جدال عليه.