"فرقة ناجي عطاالله" هو اسم واحد من المسلسلات التي يتم عرضها في شهر رمضان الجاري، وهو من بطولة النجم عادل إمام ومجموعة من الممثلين الشبان، ورغم أن المسلسل يحظى باهتمام كبير من الجمهور، ويقبل عليه المعلنون، ويكتب عنه بعض النقاد بإعجاب شديد، فإنه يمثل حالة فنية متهافتة وسطحية بامتياز.

Ad

فكرة المسلسل مسروقة من فيلم "أوشن 11" للنجم جورج كلوني، الذي يقوم بدور مغامر يكوّن فريقاً من محترفي الإجرام لسرقة "كازينو قمار"، وبالفعل ينجح كلوني وفريقه في سرقة "الكازينو"، لينعموا بإنفاق الملايين التي نهبوها. يجد مؤلف المسلسل المصري حلاً "أخلاقياً" و"مجتمعياً" ملائماً لتبرير السرقة؛ فبدلاً من أن تسرق فرقة ناجي عطاالله "كازينو قمار"، كما فعل فريق كلوني، ستقوم بسرقة بنك إسرائيلي، وهنا سيكون المبرر الأخلاقي جاهزاً ومقبولاً: "ألم يسرقوا أرضنا... لماذا لا نسرق أموالهم؟".

وبين الكثير من الاستخفاف بعقول المشاهدين، والاستظراف المصطنع، والألفاظ المبتذلة، والمعلومات المغلوطة، والتمثيل الباهت، لا ينجح المغامرون المصريون فقط في سرقة المال الإسرائيلي، لكنهم يمعنون أيضاً في الاستهزاء بالعقلية الإسرائيلية والقدرة الأمنية للدولة العبرية، إلى حد أن أحد أفراد الفريق يتحدث إلى القائد عطاالله قائلاً بثقة مبالغ فيها: "إن أردت أن نجلب لك إسرائيل تحت قدميك لفعلنا... وإن أردت أن نأتي لك بنتنياهو نفسه لفعلنا... إحنا رجالة وعفيجية يا باشا" (...).

إلى جانب مسلسل عطاالله الهزلي، هناك عمل أكثر جدية يحمل اسم "الصفعة"، وهو يتحدث عن صراع استخباراتي مصري - إسرائيلي في فترة الخمسينيات من القرن الماضي. ورغم ابتعاد "الصفعة" عن السطحية والابتذال اللذين ميزا "فرقة ناجي عطاالله"؛ فإنه أمعن أيضاً في "الاستخفاف بالإسرائيليين" والإغراء بـ"ضعفهم" وتعرية "عوارهم الأخلاقي والسياسي والقيمي".

لا يقتصر الوجود الإسرائيلي ضمن أعمال رمضان على هذين العملين فقط؛ إذ تظهر إسرائيل بوضوح في برنامج مقالب يدعى "الحكم بعد المزاولة"؛ حيث يستضيف فريق العمل فناناً أو سياسياً أو إعلامياً على اعتبار أنه سيظهر على قناة ألمانية، ثم يتخذ مسار النقاش بين المذيعة وفريق العمل من جهة والضيف من جهة أخرى منحى تصعيدياً حينما يأتي الكلام عن التطبيع مع إسرائيل، وأخيراً يمرر فريق العمل للضيف معلومة أن القناة التي يظهر على هوائها هي قناة إسرائيلية، ويعلن المضيفون كذباً أنهم "إسرائيليون" يدافعون عن "بلدهم" في مواجهة "العداء للسامية الذي يظهره الضيف"، وهنا تتفجر ردود الفعل الصارخة.

أكثر الحلقات التي حظيت بالاهتمام والمشاهدة والتعليقات المؤيدة هي تلك التي ذهب فيها الضيف إلى آخر مدى في ضرب فريق البرنامج وشتمه وتوجيه الإهانات للمشاهدين المفترضين (الإسرائيليين).

الأهم من ذلك، أن بعض الضيوف لم يظهروا فقط العداء والاحتقار للإسرائيليين، ولكن عدداً منهم عبر عن "عدم اعترافه" بوجودهم أساساً، وفي كل الأحوال فإن جميع الضيوف اتفقوا على ضرورة مغادرة المكان وعدم الحديث إلى قناة إسرائيلية.

تلك هي الصورة التي تقدمها الأعمال التلفزيونية الرمضانية هذه السنة لإسرائيل؛ وهي صورة تجسد تصورات المصريين عن الدولة العبرية من جهة، وتضع لصانع السياسة خطوطاً حمراء سيكون من الصعب تجاوزها في إطار العلاقات التي تربط بين القاهرة وتل أبيب منذ نهاية سبعينيات القرن الفائت، من جهة أخرى.

على مدى ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق مبارك، لم يستطع الرجل، الذي وصفه قادة إسرائيليون بأنه "كنز استراتيجي" لدولتهم، زيارة إسرائيل إلا مرة واحدة لحضور جنازة رابين.

كانت دولة مبارك تجتهد في إرضاء إسرائيل إلى أقصى درجة ممكنة، حتى عندما تشن عدواناً على غزة أو لبنان، لكنها لم تكن قادرة على تبرير اتخاذ خطوات لتدفئة العلاقات الباردة طوال الوقت، بسبب الممانعة الشعبية الطاغية. ولعل مشهد اقتحام متظاهرين مصريين للسفارة الإسرائيلية على نيل القاهرة مازال عالقاً بالأذهان، ومؤشراً إلى الاحتقان الشعبي العام من سلوك الدولة العبرية.

من المفترض أن تزيد حدة الفتور والتباعد بين السياسة المصرية والإسرائيلية في الفترة المقبلة، ليس فقط لأن الشارع يريد ذلك بقوة كما يظهر في التظاهرات والصحافة والدراما وبرامج التلفزيون ومنابر المساجد، لكن أيضاً لأن "الإخوان المسلمين" باتوا في قصر الرئاسة.

لدى جماعة "الإخوان المسلمين" عداء تاريخي مع إسرائيل، ولديها علاقات أكثر من وثيقة بـ"حماس"، وقد بنت تمركزها السياسي طوال عقود في مجال السياسة الخارجية على مناهضة سياسة الدولة المصرية في "التعاون" مع إسرائيل، كما أن من بين حلفائها المقربين من يعلن بوضوح الرغبة في "تحرير القدس" وشن معركة ضد إسرائيل.

إنها معضلة حقيقية يواجهها الدكتور مرسي؛ فالشارع لا يكره إسرائيل فقط، ولا يطالب بتجميد العلاقات معها فقط، لكنه أيضاً يحتقرها، ويراها "ضعيفة سياسياً وأمنياً وأخلاقياً".

ولذلك، فقد أسقط في يد رئاسة الجمهورية المصرية حين تلقت رسالة تهنئة من نظيرتها الإسرائيلية بمناسبة قدوم شهر رمضان، ويبدو أن دولاب العمل في تلك المؤسسة قام بالرد التلقائي على الرسالة، وهو الأمر الذي أعلنته بـ"سرور" وربما بـ"تشف" الرئاسة الإسرائيلية؛ وهنا بدأت الأقلام تكتب والأصوات ترتفع منتقدة ومتسائلة، فما كان من الرئاسة المصرية إلا أن أعلنت أن تلك الرسالة "مزورة".

يفسر أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين، بعدما أكد صحة رسالة الشكر المصرية، الأمر بقوله إن المصريين "يريدوننا في دور العشيقة وليس في دور الزوجة"، بمعنى أن دولة مرسي تريد الحفاظ على الأوضاع القائمة على الأرض بين الدولتين دون أن يتم إعلان تفاصيل العلاقة وبروتوكولاتها.

يوم الخميس الماضي أقسمت الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها بعد عنت شديد اليمين الدستورية أمام الرئيس مرسي، ومن بين وزرائها المشير طنطاوي للدفاع، والدكتور محمد كامل عمرو للخارجية، والأخير هو الوزير الذي اختاره طنطاوي سابقاً للحقيبة نفسها في حكومة الجنزوري المستقيلة.

سيكون للمجلس العسكري، ووزير الخارجية، دور أساسي في صياغة العلاقات مع إسرائيل؛ خصوصاً أن الأوضاع الأمنية تشتعل في سيناء، التي شهدت نحو ست حوادث إطلاق نار على مدى الشهرين الأخيرين على الحدود، واستمراراً لتفجير الخط الذي ينقل الغاز لإسرائيل، وانفلاتاً أمنياً خطيراً.

أعطى مرسي إشارات واضحة إلى أنه سيتبنى خطة لتطوير العلاقات مع "حماس" ومساعدة غزة، لكنه سيحاسب حساباً عسيراً في كل محاولة سيجتهد من خلالها لـ"تقليص العلاقات بإسرائيل أو توتيرها"، بشكل قد يؤثر في الأمن القومي المصري أو الاستقرار الإقليمي، كما يشخصه المجلس العسكري، أو واشنطن، أو حتى وزير الخارجية كامل عمرو.

تشكل ملفات المرور والخبز والوقود والأمن الداخلي قضايا شائكة وحساسة واختبارات صعبة لرئاسة مرسي، لكن الاختبار الأقسى سيكون في العلاقة مع إسرائيل، التي يرى قطاع كبير من المصريين أنها "ضعيفة وحقيرة وغير موجودة، ويمكن جلبها تحت أرجل الرئيس"، ويريد هذا القطاع أن يرى "رئيساً إخوانياً" ينتصر لـ"أهلنا في غزة"، بينما المسألة أخطر من ذلك وأصعب من كل ما يقدرون.

* كاتب مصري