التحريض الذي مارسه الإعلام بكل وسائله وأدواته خلال الجمهورية الأولى ضد الإسلاميين في مصر تغطية لبطش السلطة ضدهم وتخويف المسيحيين من وصولهم إلى السلطة أمر في غاية الخطورة، فالإسلاميون المصريون هم جزء من النسيج المصري لا يقلون إخلاصاً لوطنهم، ولا أملاً في نهضته عن غيرهم من باقي الأحزاب والفصائل السياسية المصرية، وطموحهم في الوصول إلى السلطة عبر الطريق الدستوري والقانوني أمر مشروع لا غبار عليه، بل كان من الواجب تشجيعهم على ذلك، فالعمل السياسي المعلن خير وآمن من العمل السياسي السري. ومن فضائل الثورة المصرية أنها دفعت الإسلاميين إلى الظهور السياسي العلني وأتاحت أمامهم الفرصة لإعلان برامجهم، والكشف عن هويتهم والبدء في ممارسة دورهم السياسي وفق الأنظمة المشرعة للعملية السياسية، دون خوف ولا تهديد، وأعتقد جازماً أن ممارستهم السياسية، والاحتكاك الإيجابي والسلبي مع نظرائهم من الأحزاب والتيارات الليبرالية والعلمانية وغيرها ستصقل تجربتهم وسترشد خطاباتهم تجاه الآخرين وترشد خطابات الآخرين تجاههم، وتجمعهم للعمل المشترك الذي تتسع مساحاته للنهوض بمصر واستعادة دورها الريادي في العالم العربي والعالم أجمع. ومن متابعتي لوسائل الإعلام المصرية العامة والخاصة أسعدني كثيراً انفتاح كثير من القنوات الفضائية على الإسلاميين واستضافتهم في كثير من البرامج وإعطاؤهم الفرصة لإبداء آرائهم حول الأحداث المتصارعة أيام الثورة وأيام الانتخابات والتغيير الواضح في خطاب المحاورين لهم، والتغيير الواضح في خطاب الإسلاميين أيضاً تجاه القضايا المطروحة، والاستعداد التام للتعاون مع جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في الدولة المصرية. ما حدث في مصر هو ثورة شعبية، والثورة تختلف عن الانقلاب، فالانقلاب هو قيام مجموعة عسكرية، أو عسكرية ومدنية بتغيير نظام الحكم بالقوة وفرض توجهات تلك المجموعة وآرائها واجتهاداتها السياسية على المجتمع، والاستيلاء على السلطة وتقاسمها بين أفراد تلك المجموعة، أما الثورة الشعبية فلا يمكن أن تتقدم وتحقق أهدافها دون توافق للقوى الشعبية الفاعلة، ولا يمكن لفصيل منها مهما كثر أتباعه أو قوي تأثيره على الساحة السياسية أن يتفرد بالسلطة، أو أن يفرض إرادته على باقي الفصائل، وهذا ما كان في الثورة المصرية، وظهر جلياً في لجنة الدستور، وغيرها مما سُجِّل في أيام الثورة، وهذا يعد ضماناً لنجاح الثورة، وضماناً لمستقبلها.
Ad