نشر بعض المتشددين الإسلاميين بياناً قبل أن ينطلق معرض الرياض الدولي للكتاب، وقعه ما يقارب الأربعين اسماً، طالبوا فيه بمقاطعة معرض الكتاب ووصفوه بأنه فساد يستوجب المقاطعة والاحتساب، وبأنه يشهد ممارسات محرمة كاختلاط النساء بالرجال ويبيع كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد. لكن يبدو أن دعوة المقاطعة لم تنجح، فقد كشف رئيس اللجنة الإعلامية لمعرض الرياض الدولي عن بلوغ عدد زوار المعرض حتى اليوم السابع مليوناً وثمانين ألف زائر، بينما بلغت المبيعات 14 مليون ريال. وهذه النتائج تنشر يومياً، فلماذا لم تنجح المقاطعة؟ ينسى هؤلاء أن الناس أجناس، وأنك لا تستطيع أن تملي عليهم رأياً واحداً وفكراً واحداً، وأن سنة الحياة هي في التنوع. لكن هذا لم يكن رأي المحتسبين بعد ظهور نتائج الإقبال على المعرض، ففي يوم الاثنين الماضي هبطت كتيبة من المحتسبين ببشوتهم المتطايرة غضباً يريدون اقتحام إحدى فعاليات المعرض فاعترضتهم الشرطة لأول مرة في تاريخ معرض الكتاب، فقد كانوا من قبل ينتشرون دون اعتراض مما جعل معرض الكتاب مسرحاً لغزواتهم الشهيرة، ثم تمتلئ الصحف في اليوم التالي بأخبارهم، فينسى الناس الحديث عن أهم الكتب وأهم المحاضرات، وماذا قيل وماذا نتج عنها وينشغلون بالمحتسبين. اليوم أوقف المحتسبون لأن ما يريدونه بدا غير منطقي على الأقل الآن، فهم جاؤا ليعترضوا على وجود النساء في معرض الكتاب، ومحاولة إشراكهن في المحاضرات العلمية والنقدية المقامة، متناسين أن المرأة موجودة في المعرض كزبونة ومؤلفة وناقدة وشاعرة، فلمَ عليها ألا تشارك في محاضرات المعرض؟ ولماذا على النساء والرجال ألا يختلطوا في المعرض، وهم يختلطون في الأسواق والمنتديات العلمية، بل حتى في الحرم المكي، وقد كان هذا منذ عصر الرسالة الأول؟ لمَ لا يريدون أن تكون المرأة موجودة في محضر العلم والفكر، ولمَ يجعلون من وجودها في المجتمع وفي الحياة العامة أزمة كبرى؟ في المشهد الدرامي يبدو هؤلاء وكأنهم حولوا الحياة إلى سوق يحجرون فيه على بضاعتهم بالقول "الزين عندنا والشين عند غيرنا"، لكنهم حتى لا يتركوا الخيار لك أن تذهب للبضاعة الرديئة لو أردت، بل عليك أن تكون حاضراً أبدياً في سوقهم، يريدون أن يكون الجميع تحت قبضة خطابهم، وكل خطاب غير خطابهم يهددهم ويقلص أرباحهم في السوق. لقد بلغ بهم الغضب مبلغه حين انطلقت بعثات التعليم للخارج، وفر الشباب من قبضة معسكراتهم التحريضية التي لم تسفر إلا عن فكر التكفير والتفجير، فهبوا يتنادون بالويل والثبور وعاقبة الأمور، يتباكون في مشهد تمثيلي بأن الإلحاد دب في فكر الشباب، يرتعدون غضباً من مشهد أن تتقدم المرأة إلى منصة الحوار، وتدلي برأيها، وتقول وجهة نظرها العلمية والنقدية من العلم والحياة، فهذه المرأة أيضاً كانت من قبل في حيازتهم. دعوا الناس إلى المقاطعة فاستجاب لها من استجاب وخرج عنها من خرج، لكن هذه النتيجة لا تناسبهم لابد من نتيجة قطعية صفرية ولصالحهم. هل تتخيل لو ترك لمثل هؤلاء الاستبداد بالقرار؟ تذكرت وأنا أكتب هذا السؤال البيان الأول لحزب "طالبان" عندما وصل إلى الحكم في أفغانستان. كان البيان رقم واحد هو منع مشاهدة التلفزيون وإغلاق مدارس البنات، ومن بيان إلى بيان والله أعلم.
Ad