بقدر ما يثير العراق في النفوس من حزن وأسى على الأحداث المؤسفة اليومية التي تجري فيه والمشاكل السياسية والاجتماعية التي تتفاقم باستمرار من دون أن تلوح في أفقه بارقة أمل، بقدر ما تبعث المواقف السياسية المستهجنة لقادته ومسؤوليه الجدد على الضحك ولكنه ضحك كالبكاء، ففي الوقت الذي تتوالى فيه المصائب على العراق من كل الجهات ويواجه خطر الانزلاق إلى أتون حرب أهلية طائفية عرقية حقيقية، نرى هؤلاء القادة السياسيين يطلقون بكل استهتار وبرودة دم مبادرات سياسية لمعالجة مشاكل الآخرين! فبينما يغوص البلد في مستنقع الأزمات العميقة التي تحتاج إلى معجزة سماوية لينجو منها، نراهم يهبون لمساعدة الآخرين في حل أزماتهم! وكأن مبادراتهم "الوطنية" الكثيرة التي طرحوها قد نجحت في إعادة السلام والأمان والطمأنينة إلى ربوع بلادهم، وقضت على الأزمات والصراعات الداخلية وأصبح العراق بفضل سياساتهم الحكيمة ومبادراتهم القيمة جنة ديمقراطية في المنطقة، حتى يجرؤوا على طرح مبادرات أخرى لحل منازعات الدول وإحلال السلام فيها!

Ad

الحقيقة أن زعماء الكتل السياسية لم يكونوا يوما جادين في طرح مبادراتهم الكثيرة التي قدموها لحل الأوضاع الداخلية المتردية، ولم يكن في نيتهم أبدا الالتزام ببنودها، بدليل أنها فشلت، ولم تطبق على أرض الواقع، قدمت فقط للاستهلاك "المحلي" ومن أجل ألا يقال إن الكتلة السياسية المعينة لم تساهم بمبادرة "مودة يعني"، وما يتجرعه العراق اليوم من أحداث "دراماتيكية" متسلسلة، وبخاصة الأحداث الساخنة الأخيرة بين دولة القانون والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني التي مازالت تتفاعل، وتنعكس سلبا على العراقيين هو نتيجة عدم التزام الأطراف السياسية بمبادرة "أربيل" التي قدمها مسعود بارزاني بعد انتخابات عام 2010، وكما فشلت مبادرة بارزاني في انتشال العراق من محنه الكثيرة، كذلك فشلت مبادرات أخرى طرحت خلال عام 2011 من قبل الأحزاب والكتل السياسية، وإذا ما نظرنا إلى خارطة

المبادرات المطروحة على الساحة السياسية العراقية نجد أن كل كتله ساهمت وقدمت مبادرة ولم تحرم من هذا العمل الوطني المشرف بدءا بمبادرة طالباني ومرورا بمبادرة مقتدى الصدر التي سميت بميثاق الشرف ومبادرة السيد عمار الحكيم وانتهاء بمبادرة رئيس مجلس النواب "أسامة النجيفي"

ولم يكتف هؤلاء القادة بصياغة مبادرات فاشلة من هذا النوع، بل قاموا بطرح مبادرات أخرى "فاشلة" للآخرين؟ تصور أنهم بعثوا بوفد رسمي رفيع المستوى لدمشق من أجل القيام بدور الوسيط للإصلاح بين المعارضة والنظام البعثي الفاشي الذي كان حتى وقت قريب يبعث بالموت الزؤام إلى العراقيين من خلال التفجيريين والمفخخين!

وعندما رفضت القوى المعارضة السورية مبادرتهم رفضا قاطعا، وردوا على أعقابهم خائبين، حاولوا التوسط لمرة ثانية بين الدولتين الأميركية والإيرانية وعرضوا خدماتهم عليهما لمعالجة الصراع القائم بينهما؟! مستغلين في ذلك علاقاتهم الطيبة مع الدولتين! كما صرحوا بذلك، ولكن تشاء الأقدار أن تفشل هذه المبادرة أيضا وتخيب.

وكعادتهم في ترك القضايا الداخلية القابلة للانفجار في أي لحظة مثل أزمة الأراضي المتنازع عليها ومسألة النفط والغاز وقانون الأحزاب ومسألة الأقاليم الدستورية، وقضايا أخرى تشكل تهديدا مباشرا على مستقبل العراق ووحدة أراضيه، والتوجه إلى معالجة المشاكل الخارجية اتجهوا صوب البحرين هذه المرة ليقدموا لها وصفة طبية مجانية لمعالجة أمراضها "الطائفية

" المستعصية!

مهما أظهر هؤلاء القادة نواياهم الحسنة فيما طرحوه من مبادرات فإنها لا تخرج عن احتمالين؛ إما أنهم أخفقوا في ترتيب البيت العراقي وعجزوا تماما عن مواجهة أزماته الداخلية لذلك يحاولون تحقيق بعض النجاحات في الخارج، أو أن مصالحهم تكمن في إثارة الأزمات وإشعال الفتن، وكلما

كانت الأزمات أكبر وأعمق وأعقد، وجدوا أنفسهم فيها أكثر وضمنوا مناصبهم أكثر.

* كاتب عراقي