ماذا عن التنظيمات السياسية الكثيرة الموجودة لدينا تحت مسميات متعددة والتي يقام بعضها على أسس طائفية وفئوية وتعمل دون غطاء قانوني؟ أليس من الغريب أن يزور مقراتها المعروفة كبار مسؤولي الدولة وتنشر أخبارها في الصحف اليومية وتُدعى للمشاركة في الحكومة ومع هذا لا تعترف بها الدولة كي تعرف عدد أعضائها أو برامجها ومصادر تمويلها؟!

Ad

كلما أتيت على ذكر الأحزاب السياسية خرج لك من يقول بما يشبه الجزم ان الأحزاب لا تناسبنا. لماذا؟ يرد بثقة مطلقة ومن دون تفكير بصحة ما سيقوله: «أنظر ماذا فعلت الأحزاب بلبنان! يقول ذلك مع جهل كامل على ما يبدو بالأسباب الحقيقية لمشاكل لبنان التي لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بوجود الأحزاب من عدمه، بل إن لها أسبابها الاجتماعية والاقتصادية العميقة.

لكن حتى لو افترضنا جدلاً أن مشاكل لبنان سببها وجود الأحزاب، فلماذا نضرب الأمثال في التجارب السيئة فقط؟ ماذا عن الأحزاب العريقة والناجحة في الدول الأخرى أي في العالم المتقدم والتي تشكل الغالبية الساحقة من سكان الكرة الأرضية كالولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا والهند ودول شرق آسيا واستراليا وكندا ودول أميركا اللاتينية حيث تشارك الأحزاب السياسية في كل هذه الدول في السلطة وفي الحياة العامة أيضاً؟

ثم ماذا عن التنظيمات السياسية الكثيرة الموجودة لدينا تحت مسميات متعددة والتي يقام بعضها على أسس طائفية وفئوية وتعمل دون غطاء قانوني؟ أليس من الغريب أن يزور مقراتها المعروفة كبار مسؤولي الدولة وتنشر أخبارها في الصحف اليومية وتدعى للمشاركة في الحكومة ومع هذا لا تعترف بها الدولة كي تعرف عدد أعضائها أو برامجها ومصادر تمويلها؟!

قد يقول قائل إن الحزب السياسي هدفه استلام السلطة وهذا صحيح، إذ لا ديمقراطية حقيقية من دون أحزاب سياسية وتداول سلمي للسلطة التنفيذية (الحكومة) التي يشكلها عادة الحزب الذي يحصل على الأغلبية في الانتخابات العامة.

لهذا ونتيجة لظروف التطور السياسي الخاصة بكل دولة فقد لجأت بعض الدول كالبحرين مثلاً إلى إطلاق مسمى «جمعيات سياسية» على الأحزاب حتى تتجاوز اشكالية التداول السلمي للسلطة التنفيذية ويبدو أيضا أن هذا هو السبب وراء تقديم بعض النواب لمقترح «الهيئات السياسية» بدلاً من الأحزاب السياسية.

على أي حال، فإن الشيء المهم هنا هو التأكيد على أن اشهار الأحزاب السياسية (أو أي تسمية أخرى يتفق عليها) لا بد أن يسبق أو على الأقل يترافق مع قضية تعديل الدوائر الانتخابية التي بدأت تطرح بقوة في الساحة السياسية كأحد خطوات الإصلاح السياسي والديمقراطي وكخطوة مستحقة للخروج من مشاكل الاصطفافات القبلية والفئوية والطائفية التي كرّسها نظام الدوائر الخمس الذي أقر عام 2006 في ظل ظروف معينة ما جعله ينجز بمعزل عن حزمة الإصلاحات السياسية ومتطلبات العمل الديمقراطي والتي تشمل إشهار الأحزاب السياسية على أسس مدنية ووطنية واعتماد نظام القوائم النسبية (حد أدنى 10 في المئة مثلا) ذات البرامج الوطنية جنبا الى جنب مع إمكان الترشح الفردي وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات تتولى الإشراف على الأمور كافة التي تتعلق بالانتخابات بدءاً من تسجيل القيود الانتخابية حتى الطعون مروراً بالحملات الانتخابية وإعلان النتائج النهائية والتفصيلية.