ماذا تفعل إيران في سورية؟... سؤال مهم وخطير قد تشكل إجابته مستقبل المنطقة لقرونٍ مقبلة، وكذلك علاقة الشعوب الإيرانية بالعالم العربي، فإيران تخوض معركتها الكبرى على الأراضي السورية، كما يقول رئيس المجلس الوطني السوري البروفيسور برهان غليون، وضد مَن؟ ضد الشعب السوري الذي يناضل سلمياً من أجل حريته والانعتاق من النظام "الجملوكي" القائم هناك، الجناح المحافظ الإيراني وذراعه حرس الثورة يعبثون في المنطقة، من البصرة حتى بنت جبيل، ومن صعدة حتى البحرين، ضمن مخططات عبثية ووهمية ستكون نهايتها مواجهات طائفية مدمرة لا يستطيعون أن يعرفوا نتائجها، أُشعلت بداية عندما استفزوا السُّنة في 7 مايو 2008 بنزول عناصر "حزب الله" إلى شوارع بيروت، فكسبوا جولة سياسية في بلد صغير مثل لبنان يمكن استخدامه كمنصة للمساومة مع أميركا عبر إسرائيل، ولكنهم فعلياً ضربوا وتراً حساساً لدى عشرات ملايين السُّنَّة عبر العالم فخسروهم.

Ad

أغلبية العرب والخليجيين من أهل السنة والمعتدلين والعلمانيين (مناصري الدولة المدنية) استبشروا خيراً بعام 1997 عندما تولى الحكم الرئيس الإصلاحي الإيراني السابق محمد خاتمي وأعلن مبادرته للسياسة الخارجية بالانفتاح وبناء جسور الثقة مع أهل المنطقة والعالم، وكانت ردة الفعل الخليجية والعربية آنذاك مرحبة ومتعاونة إلى أقصى الحدود، ورافقتها حملة من مفكرين وكتاب وناشطين خليجيين (كنت حينئذ أحدهم) تبشر بحقبة من السلام والعمل المشترك لحفظ أمن المنطقة، خصوصاً بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق لاحقاً، ولكن كان للتيار المحافظ الإيراني، بقيادة المرشد والمؤسسة العسكرية الإيرانية بتفرعاتها المختلفة، مخططات أخرى في العراق ولبنان وفلسطين واليمن، وحتى مصر والمغرب، كان ينفذها خفية وبحرص، وأصبحت علنية بعد إسقاط خاتمي والإتيان بالرئيس المتشدد أحمدي نجاد، فدفع العراق ثمناً غالياً للسياسة الإيرانية، ومازال، وجنت طهران بإثم عظيم على القضية الفلسطينية وهي قضية المسلمين والعرب الأولى التي لم يعد الشارع العربي يتجاوب معها بالشكل المطلوب بسبب إدراكه أنها إحدى أدوات إيران لتنفيذ مخططاتها في المنطقة بالتعاون مع نظام الأسد في دمشق ولبنان وبعض الفصائل الفلسطينية.

إيران أو النظام هناك لم يترك خياراً لأصحاب مشروع التعايش والتعاون مع الجار الإيراني، لاسيما بعد أن وضحت بصماته ودوره ضد ثورة الشعب في سورية، وأكرر التساؤل هنا مع آخرين- مع أنني أمقت حالة الحسابات الطائفية- هل سيظل الإيرانيون متحالفين مع بشار الأسد لمواجهة وقمع وحكم أكثر من 17 مليون سني سوري بالقوة؟ وإلى متى؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه إيران بعد سقوط نظام الأسد مهما طال الزمن؟ وكيف ستكون ردة فعل التكتل السني الممتد من طرابلس لبنان حتى الموصل في غرب العراق عبر سورية ضد ايران، خصوصاً أن هناك خطأ كبيراً كُرِّس لدى العامة بأن "إيران= الشيعة"؟ أنا أعلم أن عقلية الأنظمة الثيوقراطية الدينية، سواءً الشيعية أو السنية المؤمنة بفكرة فسطاطَي الخير والشر والمنازلة الكبرى بينهما، لديها إجابات سطحية وسهلة عن هذه التساؤلات، ولكنها فعلياً ستكون كارثية ومدمرة على الشعوب، وستؤدي إلى دمارها لمصلحة المستفيد الوحيد وهو إسرائيل وأعداء الأمة، لذلك فإن حلم دولة الخلافة الكبرى السنية أو إمبراطورية الولي الفقيه الشيعية هما محض خيالات لن ترى النور في القرن الواحد والعشرين، بل ستعبث بمستقبل أجيال حالية ومقبلة وتدمرها دون طائل.

لذلك، نحن ندعو أن يقف الإيرانيون قبل فوات الأوان ويفكروا في ما يقومون به من مخططات في العراق، وسعيهم إلى تطويق السعودية من جهة اليمن، وإمكانية إقناع متطرفي البحرين بفكرة "علمنة" المملكة لحفظ حقوق الجميع والإصلاح المتدرج، وإيجاد مخرج مشرف للإيرانيين من سورية يحفظ علاقات طيبة مع كل الشعب السوري المظلوم والمقهور والمقتول، والكف عن التدخل في شؤون الدول العربية واستخدام القضية الفلسطينية في المشروع الإيراني، وتسوية قضية الجزر الإماراتية، والتخلي عن وهم قيام المحور الممتد من طهران حتى بوابة فاطمة في الجنوب اللبناني، فالأغلبية السنية المعتدلة مع علاقات طيبة ومتينة مع إيران الحضارة والتاريخ، فواقعنا أصبح خطراً والمواجهات الطائفية بين المتطرفين من الطائفتين على أشدها، وسياسة إيران الخارجية الحالية تزيدها اشتعالاً، وتمد متطرفي السُّنَّة والشيعة بالوقود لإشعال منازلتهم الدموية الكبرى التي يترقبونها، ليحل بعدها الخراب على الجميع.