طبقا لاستطلاعات الرأي ليس هناك شك في المرشح الذي سيكون أفضل بالنسبة لأوروبا، ففي استطلاع نشرته مؤسسة «يوجوف»، التي تتخذ من بريطانيا مقرا، قال 90 في المئة من المشاركين إنهم سيؤيدون باراك أوباما وليس ميت رومني.

Ad

لكن هل يتوافق هذا التأييد بالفعل مع المصالح الحقيقية لأوروبا؟ هذه الأرقام ليست مفاجأة بالكامل، لأن موقف الجمهوريين من قضايا اجتماعية لها حساسيتها، مثل الإجهاض والرعاية الصحية وحماية البيئة، يمثل هوة ثقافية لا علاج لها تقريبا بالنسبة للكثير من الأوروبيين.

مخاوف مشروعة

وفي السياسة الخارجية هناك مخاوف مشروعة في أوروبا من أن إدارة رومني ستقلل من شأن الأمم المتحدة، أو ستزيد احتمالات قيام حرب في الشرق الأوسط، أو ربما تتسبب في مواجهات مع روسيا بسبب جورجيا، أو توسعة حلف شمال الأطلسي.

لكن إذا ركزنا على القضايا التي تشغل الأوروبيين حاليا بشكل عام، مثل الركود الاقتصادي العالمي، وتعمق أزمة اليورو، فسنصل إلى نتيجة مختلفة، ربما يتعين على أوروبا تأييد رومني رغم آرائه الاجتماعية، ومن الممكن أن يساعد انتخاب رومني الاقتصاد الأوروبي واليورو لثلاثة أسباب، أولا: موقف رومني المتشدد من روسيا والصين، وسيتيح هذا للشركات الأوروبية التي تزيد صادراتها للصين مرتين ونصف عن مثيلاتها الاميركية، وتزيد ثماني مرات ونصف إلى روسيا عن الصادرات الاميركية لتصبح أكثر انتشارا في هذه الأسواق.

والسبب الثاني هو سياسة الضرائب التي يتبعها رومني، ففي خضم العديد من الوعود الاقتصادية المبهمة من كلا المرشحين في ما يتعلق بتوفير الوظائف فإن سد الثغرات الضريبية وتحقيق توازن في الميزانيات وما إلى ذلك فإن مرشحا واحدا فقط هو الذي يبرز في هذا الصدد، ويجعل تنفيذها بعد 6 نوفمبر مرجحا جدا، إنه التزام رومني بخفض ضرائب الدخل وضرائب الشركات 20 في المئة.

وربما يكون، كما قال أوباما، فإن مثل هذا الخفض الكبير في الضرائب لا يمكن أن يوازنه التوفير في النفقات العامة أو سد الثغرات، لكن رومني لمح بشدة إلى انه سيخفض الضرائب بأي حال، معتمدا على نظرية الخبير الاقتصادي جون مينارد كينز القائل إن أي عجز ينتج عن هذا الخفض سيكون مؤقتا، وان النمو الاقتصادي السريع سيحد سريعا من هذا العجز.

انتعاش اقتصادي

هذه السياسة ستكرر تجربة الثمانينيات من حيث السياسة الاقتصادية التي اتبعها الرئيس الراحل رونالد ريجان، وربما تحقق انتعاشا اقتصاديا في ظل وجود عجز كبير في الميزانية لا يحدث ضررا كبيرا.

وكما قلت سابقا فإن وعد رومني الصريح بخفض الضرائب في مناظرة دنفر كان السبب الرئيسي في القفزة التي حققها لصالحه في استطلاعات الرأي.

رد الرئيس ريجان على شخص محافظ في السياسات المالية حذره من العواقب الوخيمة على الميزانية بسبب سياسته الضريبية قائلا: «العجز كبير بما يكفي ليرعى نفسه».

وإذا تمكن الخفض الضريبي من تحفيز الاقتصاد الأميركي مرة أخرى على غرار ما حدث في الثمانينيات فإن خبراء الاقتصاد سيتجادلون بشدة حول ما إذا كان هذا الانتعاش نتيجة لمحفزات طرحها كينز في نظريته الاقتصادية أم للحوافز التي تختص بالعرض.

لكن أيا كانت الآلية فإن أي عودة لسياسة ريجان الاقتصادية قد تحول شكل الاقتصاد العالمي وترفع قيمة الدولار، ما يفيد المصدرين في أوروبا.

وبينما هاجم المحافظون الأوروبيون في السياسة الأميركية ريجان لخفضه قيمة العملة الأميركية بسبب العجز الكبير فإن الدولار قفز للضعف تقريبا من 1.90 مارك الماني إلى 3.30 ماركات، خلال الفترة بين 1981 و1985.

ومن الممكن أن تسفر تجربة أخرى مع العجز عن نتائج مماثلة وإن كانت أقل تأثيرا.

والسبب الثالث الأكثر تجريدا الذي يجعل أوروبا تستفيد من انتصار رومني هو انه يفترض أن رومني نفذ وعوده في ما يتعلق بخفض الضرائب، إذ إنه سيعمل على تلقين الزعماء الاوروبيين بعض الدروس القيمة، في الوقت الذي يواجهون فيه صعوبات اقتصادية ومتاعب مالية.

ركود اقتصادي

وإذا اتضح نجاح سياسة رومني القائمة على خفض جريء للضرائب فإن هذا ربما يوضح أن مساعي تضييق عجز الميزانية وسط ركود اقتصادي غير ضرورية ولن تحقق نتيجة، فخلال مراحل الركود الاقتصادي فإن الحكومات التي لديها السيولة النقدية الكافية يمكن ان تسمح باتساع العجز وتراكم الدين العام.

ويجب ألا يكون هدف السياسة النقدية الوصول إلى مستهدفات لسد العجز على المدى القصير، بل محاولة تحقيق توازن بين الإيرادات والمصروفات على المدى الطويل، ويجب في العادة الانتظار في مثل هذا التعزيز الهيكلي إلى حين استئناف المعدل الطبيعي للنمو وعودة البطالة إلى مستوياتها المقبولة.

لكن مثل هذه السياسة الصبورة القائمة على تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات لن تكون ممكنة إلا إذا اعتمدت الحكومات على دعم نقدي من بنوكها المركزية.

وإذا حقق الاقتصاد الأميركي نموا اقتصاديا أسرع بعد جولة أخرى من خفض الضرائب فإن هذا النجاح سيكون راجعا بصورة كبيرة لسياسات نقدية داعمة من مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، وبدلا من أن يطلب بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي تقشفا ماليا سابقا لأوانه فإنه يعمل على تحذير الساسة من خفض النفقات العامة بشكل زائد عام 2013.

سياسات مالية

والأهم من ذلك أنه وعد بالإبقاء على معدلات الفائدة الأميركية عند الصفر حتى 2015، ما يعني الزام مجلس الاحتياطي الاتحادي بالتمويل أيا كان العجز الذي تقرر الحكومة مواجهته، وعلى النقيض من ذلك يطالب البنك المركزي الأوروبي بسياسات مالية أكثر تشددا من الحكومات الأوروبية، ما يزيد الركود تفاقما، وهدد البنك بسحب الدعم المالي إذا لم تصل الحكومات للمستويات المستهدفة في ما يتعلق بعجز الميزانية.

لذلك فإن نجاح رومني في خفض الضرائب سيؤكد التناقض في السياسات النقدية والمالية بين الولايات المتحدة وأوروبا، كما أنه سيلقي بظلال الشك على الفصل التام بين السياسة المالية والنقدية الذي كان الافتراض الأساسي لمشروع اليورو ويبدو الآن العيب الرئيسي، وسيمثل أي مزج بين السياسات المالية والنقدية لعنة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي ومعاهدات الاتحاد الأوروبي.

لكن التجربة الأميركية تظهر أنه من أجل إدارة اقتصاد القارة الأوروبية بنجاح خاصة في فترة أزمة مالية سيتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يطلب تفويضا أوسع نطاقا، وستكون هناك حاجة لإعادة النظر في الفصل الشديد بين السياسة المالية والنقدية في معاهدات الاتحاد الأوروبي.

كما أن انتصار رومني، إذا كانت نتيجته خفض الضرائب وإيجاد حوافز مالية، سيجبر أوروبا على إعادة النظر في الكثير من الافتراضات التي تقف وراء برامج التقشف المالي والنقدي الحالية والتي تنفذ اليوم.

ويظهر الاقتصاد الأميركي مؤشرات على التسارع في العام القادم، حتى دون أي خفض إضافي في الضرائب، لذلك فإن الفارق الاقتصادي بين رئاسة أوباما ورئاسة رومني ربما يكون هامشيا، ومع عودة أوروبا مرة أخرى للركود ستتطلع للولايات المتحدة بعين حاسدة بغض النظر عن المرشح الفائز.

(رويترز)