يتساءل البعض عن صوت المبدع والمثقف الكويتي وموقفهما ورؤاهما لما يدور على الساحة الكويتية من حراك سياسي شمل كافة نواحي الحياة. ويبدو السؤال موضوعياً ومستحقاً للوهلة الأولى. لكن، نظرة متأنية وفاحصة تقدم إجابة مختلفة. فليس من مجال لإنكار الحراك السياسي المتفاعل والمحتدم على الساحة الكويتية. ولا مجال لنفي مدى التأثير البالغ الذي أصاب الحياة الثقافية والفنية من جراء سيطرة الحدث السياسي على ما دونه من أحداث. وهنا تجدر الإشارة إلى التفريق بين مشاركة ودلو الصحافيين والإعلاميين ورجال السياسة والقانون برأيهم، وبين طبيعة المشاركة المطلوبة من المبدع. فإذا كان الحدث السياسي يشكّل مادةً وزاداً يومياً طازجاً لكتّاب المقال اليومي أو الزاوية الأسبوعية، فإن الحدث نفسه يشكّل لدى المبدع هماً إنسانياً في محيط عيشه، عليه الوقوف عنده وتأمله، ومحاولة فهمه، ومن ثم هضمه وتحليل عناصره ومدلولاته، ولاحقاً إفرازه والكتابة عنه، كتابة إبداعية تتمثل في قصيدة أو قصة قصيرة أو رواية أو مسرحية أو فيلم أو لوحة تشكيلية.

Ad

إن طبيعة الكتابة الإبداعية تختلف تماماً عن الكتابة التقريرية للمقال أو التحقيق الصحفي أو ما شابه. فالكتابة الإبداعية تخضعاً أول ما تخضع لموهبة الكاتب، واستيعابه لأصول وضرورات الفن الأدبي الذي يودّ الخوض فيه، واستخدام الحدث الإنساني العابر، ليكون وثيقة إبداعية باقية شاهداً على ما جرى.

إن الحدث الواقعي المتفاعل والمتغير والمتجدد، يشكل ماده أولية لفعل الكتابة، يتطلب من المبدع تحليل عناصره، وإعادة تشكيلها وصبّها في قالب فني متماسك يوازي العالم الواقعي، ويتفوق عليه في قدرته على استشفاف المستقبل، وتقديم حياة متخيلة مقنعة لما يمكن أن تكون عليه حياة الناس إذا ما سارت الأحداث وفق معطيات الواقع الماثل.

إن العمل التقريري يكتب عن الحدث، بينما عمل المبدع هو كتابة الحدث، وشتان بين الاثنين! فالكتابة عن الحدث تتطلب النظر إليه والتعليق على عالمه وإبداء وجهة نظر فيه، بينما كتابة الحدث، تتطلب بالضرورة خلق حدث، لا مثيل له على أرض الواقع، لكنه لا يقل واقعية عن الحدث الإنساني الواقعي. ومن هنا تأتي عظمة الفن، في كونه خلق يتداخل فيه الواقع مع موهبة الكتاب وموقفه الحياتي، وقدرته على تلوين لوحة الحياة بألوان مغايرة لألوان الواقع، وبما يقدمها بشكل جديد يثير التساؤل والدهشة.

أحد أهم ما يميّز المبدع هو إدراكه لوظيفة الفن الاجتماعية، وشعوره بمسؤولية الكلمة، ومن ثم وقوفه أمام أحداث بلده وأمته، ليس بصفته مسجلاً لها، بل بصفته خالقا لحكاية تحمل جذراً من حكايتها، بأسلوب فني يلامس ما هو إنساني، وهذا يبرر بقاء الأعمال الأدبية خالدة، ويبرر تفاعلنا معها، وقدرتها على ملامسة مشاعرنا والتأثير بنا، وإعادة صياغة نظرتنا للواقع. فللفن المبدع  قدرة عجيبة على الغوص في النفس البشرية ومحاكاتها وحتى تغيير طباعها.

يجب على المبدع الكويتي والمثقف، أن يكون له رأي وموقف مما هو دائر على ساحة وطنه. فالمبدع عبر التاريخ كان صوتاً للحقيقة، وصوتاً للحرية، وصوتاً للهم الإنساني الحق. لكنه إلى جانب ذلك صوتاً للفن المبدع الذي يقدم حياة تُغني حياة الواقع، وتجعلنا أقدر على معايشتها، فليس من شيء يقدم عزاءً حقيقياً للإنسان بقدر الأدب والفن، ولا شيء يعطي الإنسان بعض أملٍ في الأوقات الموحشة كما يفعل الفن المبدع.

مؤكد تفاعل المبدع والمثقف الكويتي مع المشهد السياسي الدائر، وأنا متأكد أيضاً من أن أعمالاً قصصية وروائية وشعرية ومسرحية وتشكيلية وسينمائية قادمة، ستكون شهادة على ما حدث، ووثيقة تاريخية على تفاعل المبدع مع الحياة ورسمه لحياة أخرى تتفوق عليها.