السينما ترصد الواقع وتؤرخه... أم تزيفه؟
متى يحق للسينما أن تتعامل مع أحداث الواقع؟ وهل يفضل مرور فترة زمنية لتأمل الحدث قبل رصده سينمائياً؟ أم يمكن التعامل معه في حينه، كما حدث في فيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسري نصر الله الذي عرض أخيراً ويرصد المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر بعد ثورة 25 يناير.
يرى المخرج محمد راضي أن من حقّ المبدع أن يقيّم الأحداث التاريخية وأي عهد أو أي فترة من التاريخ ويحللها ويضيف شخصيات أو تفاصيل لإبراز الدراما التي يريدها من دون المساس بالتاريخ الأصلي وتلفيق أحداث، إلا أن ثمة مبدعين تأثروا بزعيم أو أحبوا عهداً أو فترة زمنية معينة فجملوا الواقع فيما عمد آخرون إلى تشويهه.
وجهة نظرتؤكد الناقدة ماجدة خير الله أن الفن في الأساس وجهة نظر ويعبّر العمل الدرامي عن وجهة نظر أصحابه وعلى المتلقي ألا يكون سلبياً ويأخذ ما يشاهده على أنه الصدق من دون تحري الدقة. تضيف أن «الحدث قد يكون واحداً ويراه كل منا من وجهة نظره وبصورة مختلفة، وعندما تقدّم السينما التاريخ والأحداث تفعل ذلك من وجهة نظر معينة ولا ترصدها، لأن ما يرصد التاريخ هو الأعمال الوثائقية وليست الدراما».يفضل الكاتب محسن الجلاد ألا تتعرض الدراما للتاريخ، ويقول: «قدمت السينما منذ انطلاقتها أعمالاً تناولت فترات مهمة من تاريخنا، من ثم ظهرت أعمال أخرى كذبتها، فوقع المشاهد بحيرة، لذا لا بد من تحري الصدق قبل تناول أي موضوع».أما المؤلف محمد صفاء عامر فيعتبر أن السينما لا يمكن أن تكون مصدراً أو مستنداً للتاريخ، ومن يريد الاطلاع على التاريخ لا يشاهد فيلماً سينمائياً لأن التاريخ في المراجع والكتب، فيما العمل الدرامي سواء كان فيلماً أو مسلسلاً يعبر عن وجهة نظر صانعيه ولا يعدّ هذا تزييفاً للواقع. يضيف صفاء عامر أن وجهة نظر المؤلف والمخرج تكون في تفاصيل الدراما وليس في صلب الأحداث، «ليس منطقياً أن يضيف حدثاً أو يلغي حدثاً لأنه بذلك يزيّف التاريخ، أما التفاصيل والحوار أثناء عرض الأحداث فتكون من خيال المؤلف ومن حقه تغييرها كما يشاء».منفعة وتشويهيشير الناقد محمود قاسم إلى أن السينما في الأساس قائمة على التزييف والتلفيق، وثمة علاقة منفعة بين صناع الفن والحكام، ما يفسر التشويه الذي يواجهه كل عهد مع بداية عهد آخر، أو تجميله بوجود زعيمه، وهو ما يطلق عليه الفن الموجه الذي يهدف إلى تغييب الشعب أو تشويه مرحلة من التاريخ أو من شخصية معينة. يضيف: «لا يوجد عمل تاريخي يتناول واقعة أو حدثاً مهماً إلا وحُرّف وتغيرت معالمه، فيقع المشاهد البسيط عديم الثقافة ضحية هذا التزييف لأنه يعتمد على السينما كمصدر للتاريخ، رغم أن كذب هذا المصدر وفساده يظهران بعد فترة».يشير إلى أن هذا التزييف موجود في العالم وضرب مثالاً على ذلك الأفلام الأميركية التي تناولت الحرب العالمية الثانية وقدمت من وجهة نظر أميركية بحتة وما نتج عنها من قلب للحقائق. كذلك فيلم «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين الذي أظهر ريتشارد في مظهر الفارس النبيل وهو ليس كذلك، وأظهر والي عكا أنه خائن وهو من دافع عن المدينة حتى وقع في الأسر... «هذه أحداث مهمة وليست تفاصيل فرعية ولكن صناع الفيلم غيروا في الشخصيات والأحداث باعتبار ألا عقاب على تزييف التاريخ» على حد تعبيره.أخيراً يوضح المخرج علي عبد الخالق أن تناول التاريخ أو التعرض لحدث واقعي له احترامه ولا يجب التغيير فيه حتى في أدق التفاصيل، وعندما قدم فيلم «يوم الكرامة» صوّره كما هو في الحقيقة، مستشهداً بوثائق في تاريخنا العسكري وفي مذكرات القادة الإسرائيليين ولم يضف أو يحذف أي شيء.