خطوات صغيرة في طريق التغيير الحقيقي

نشر في 02-06-2012 | 00:01
آخر تحديث 02-06-2012 | 00:01
No Image Caption
كلنا نعلم أن العولمة فرضت علينا أن نتطور على المستويات كافة. أجبرتنا أن نتغير تغيّرا جذريًا وسريعًا. أما الأكثر تفاؤلاً فيعتقدون أن أقل من 10 في المئة فقط من سلوكنا قد تغير. كيف نتغير حقًا وبطريقة إيجابية؟ كثيرة هي السبل الممكنة والسريعة نوعًا ما. ماذا لو كنتم تفضلون أسلوب الخطوات الصغيرة على السرعة؟ إليكم بعض النصائح...

«كايزن» كلمة يابانية مركبة من جزأين، كاي التي تعني «التغيير» وزان التي تعني «الأفضل». ترجمتها العربية المعتمدة هي «التحسين المستمر». في الواقع، قد نفسرها أيضًا «بالتغيير إلى الأفضل». كايزن هي إذًا عملية تحسين ملموسة وبسيطة وغير مكلفة، تتحقق في فترة وجيزة. إنها قبل كل شيء حالة ذهنية تتطلب إشراك المعنيين كلهم.

يرتكز هذا المنهج الياباني على تحسينات صغيرة يومية ومستمرة، بل هو منهج تدريجي وهادئ، يتعارض مع المفهوم الغربي للإصلاح المفاجئ الذي يقضي بالتخلي عن كل ما تم التوصل إليه والبدء من جديد أو مع الابتكار الذي غالبًا ما ينتج من عملية إعادة الهيكلة. ويميل كايزن إلى حثّ كل عامل، بل كل شخص على التفكير مليًا في مكان عمله واقتراح التحسينات. بالتالي، لن يكون كايزن مجرد أسلوب للإدارة، بل فلسفة قائمة بحد ذاتها.

فلسفة في أربعة مبادئ

مبادئ كايزن أربعة: «كسر النماذج الفكرية»، «العمل على عملية الإنتاج بقدر العمل على النتائج»، «التطور في إطار شامل» و{تجنب الحكم على الآخرين وإلقاء اللوم عليهم». هذه هي الركائز التي تقوم عليها فلسفة كايزن.

-1 كسر النماذج الفكرية

ما نعنيه بالنماذج الفكرية هي الأفكار المسبقة التي تمليها علينا عاداتنا وتجربتنا وثقافتنا وبيئتنا وما إلى ذلك. دعا كايزن إلى التفكير بشكل مختلف، من خلال تحليل الأوضاع بشكل إيجابي، من دون إصدار الأحكام المسبقة والامتناع عن التفكير بشكل بديهي أن «الأمر مستحيل»، والذهاب حتى إلى الشك في الأدلة. في الواقع، لن نتمكن من التطور من دون اتباع هذه الطريقة.

-2 العمل على عملية الإنتاج بقدر العمل على النتائج

أن ننظر إلى النتائج متجاهلين عملية الإنتاج المستخدمة ليس سوى خطأ شائع. فنحن نسعى وراء النتائج أيًا كانت الطريقة المستخدمة لتحقيق ذلك. لكن، إذا لجأ العاملون كافة إلى استخدام عملية الانتاج نفسها لتنفيذ مهمة معينة، نتوصل إلى نتيجة متجانسة وعالية الجودة.

-3 التطور في إطار شامل

يتمتع كل منا بقدرات متنوعة، يجب أن يستفيد منها الفريق. من وجهة نظر كايزن، يجب تحويل الكفاءة الشخصية إلى إنتاجية شاملة. من هذا المنطلق، على جميع الأفراد توحيد جهودهم لأجل التوصل إلى نتيجة على مستوى الفريق ككل و{العمل على الموجة نفسها».

-4 تجنب الحكم على الآخرين وإلقاء اللوم عليهم

عندما يحدث خطأ، نميل إلى البحث عن المسؤول عن ارتكابه، (من المذنب؟) قبل أن نتساءل عن سبب حدوثه. من المهم أن ندرك أن مهاجمة الأفراد لا تحل المشكلة، بل على العكس، علينا اعتبار المشاكل مصدر التحسينات الممكنة. ففي حال غيابها، لن نحرز أي تطور ممكن. لذلك، علينا استيعاب المشاكل بإيجابية.

درب الألف ميل

نعرفكم إلى باسكال سبيلير، اختصاصي في العلاج النفسي ومدرب في التطوير الذاتي، وقد أصدر كتابه الأخير بعنوان «درب الألف ميل،» الذي كان وليد أفكار مستوحاة من ممارسته المهنية ومساره الروحي الخاص، على حد سواء.

يأتي الكتاب لاستكمال نهج كايزن، من خلال طريقة تسمح لنا بالتطور طوال فترة حياتنا موافقين على الالتزام بمبدأ المضي خطوة بخطوة.

هل تشعر أحيانًا أنك عالق في طريق مسدود؟ هل تشعر بأنك مرغم على عيش مستقبلك أو حتى حاضرك خلافًا لتصوراتك؟ بحسب باسكال سبيلير، يستند هذا الشعور عمومًا إلى اثنين من المفاهيم الخاطئة. يمكن تلخيص الأول على النحو التالي: «بما أنني كنت دائمًا ما أنا عليه اليوم، ما من سبب إذًا يدفعني إلى التغيّر في يوم من الأيام». أما الثاني، فيدعي شيئًا من هذا القبيل: «تم اتخاذ قرارات هذا العالم المهمة في عالم بعيد وما من خيار أمامي سوى تقبل الأحداث».

تنطلق هاتان الفكرتان في العادة من صورة سيئة ترسمها عن نفسك. فأنت لا تدرك حجم قيمتك وصفاتك. على العكس، تعرف بالضبط كيف تعدد لائحة لا تنتهي من نقاط ضعفك وعيوبك وتشوهاتك المختلفة... وعلى رغم ذلك، هذه الصورة السيئة التي رسمتها لنفسك ظالمة جدًا بحقك. في الحقيقة، يقول عالم النفس، «أنت شخص رائع، فهلّم وامشِ درب حياتك. هذه الدرب لم تكن دائمًا سهلة، فقد تعثرت مرات عدة وتراكمت الجروح والندوب فيك. في الواقع، أنت لا تحب هذه الجروح بالذات ولذلك تفضل أن تعيش حياة مختلفة...».

على رغم ذلك، وقبل أن تفكر في أن تكون مختلفًا عما أنت عليه اليوم، يقترح باسكال سبيلير أن تتصالح مع ذاتك وتتقبل تاريخك، واقتنع تمام الاقتناع بأنه لا يهم من أنت ولا ماذا فعلت، بل تأكد أنك حققت الأفضل دائمًا وأنك لن تشعر بالتغيير سوى إذا تصالحت مع نفسك. لكن لا يمكن أن يحدث هذا التغيير بين ليلة وضحاها ونتيجة لإرادتك فحسب، فأمامك درب طويل تجتازه وخطوات صغيرة تنفذها .

إذاً، لا تنسَ أن أي تغيير ولو مفاجئ هو نتيجة إنبات بطيء، تم سًرا، في صميم اللاوعي. واعلم أن التغيير يولد حالة من العذاب والضياع والشك، تلمّ بك أمام أي وضع جديد، فتعجز الطرق المعتمدة عادةً عن حل المشاكل التي تواجهها. فضلاً عن ذلك، أولئك الذين يؤيدون التغيير «ببطء»، غالبًا ما يجتازون مراحل عصيبة قبل البدء في دورة عمل جديدة. يشعرون في هذه المرحلة بنفاد الصبر والقلق، خوفًا من عدم التوصل إلى مخرج لحل الأزمة. لكن حالما يتخطون حالة القلق، مع مرور الزمن، يبدأون بالعثور على إجابات حول تساؤلاتهم وتنفرج حالة القلق والتوتر. من هنا، نستنتج أهمية التغيير الهادئ غير المفاجئ الذي يتم خطوة بخطوة.

back to top