فيلم لن يهز دينا

نشر في 16-09-2012
آخر تحديث 16-09-2012 | 00:00
 ناصر الظفيري الخطاب الديني في أي رسالة سماوية ينقسم دائما الى خطابين: الأول خطاب داخلي Insider discourse، والآخر خطاب خارجيOutsider discourse. الخطاب الأول هو خطاب الايمان الذي نشأ المؤمن عليه ومارس بناء عليه قناعته العقائدية وسلوكه الايماني، وهو خطاب لا يؤثر فيه ولا يشكك في أصالته الخطاب الثاني، أما الخطاب الثاني فهو رؤية الآخر للرسالة السماوية وهو خطاب غير ايماني لم ينشأ عن قناعة بالرسالة ولا عن ايمان بها.

الخطاب الأول لا يمس جوهر الدين وان تناول اختلافات تفسيره وسرده التاريخي ولا يمس قدسية الكتاب الإلهي، وعلى العكس تماما قد يرى الخطاب الخارجي صورة مغايرة يتناولها الدارس عبر قناعاته الشخصية ورؤيته الخاصة لتجرده من سطوة الايمان في المقدس. يمارس الخطاب الأول أصحاب الرسالة السماوية والمؤمنون بها ودارسو فقه هذه الرسالة بينما يمارس الأكاديمي والباحث الخطاب الثاني بأسلوب علمي بعيدا عن الاسفاف والتجريح بشخوص الرسالة السماوية.

والذين تناولوا الرسالات من أصحاب الخطابين وجدالهم لم ينته منذ بداية هذه الرسالات حتى يومنا هذا دون أن تهتز قناعة المؤمن ودون أن يتأثر ايمانهم بعقيدتهم، لا يختلف في ذلك المسلم عن المسيحي أو اليهودي. ولم يكن لفيلم تافه أو رسم بذيء يسيئ لرمز من رموز أصحاب الخطاب الأول أن يهز قناعاتهم بدينهم أو يزعزع ايمانهم برسالتهم السماوية، وكما يهاجم الاسلام اليوم هوجمت المسيحية واليهودية.

الفيلم الأخير الذي قام بالعمل على صناعته ممثل ليس له علاقة بالعمل السينمائي وغير معروف على الصعيد الانتاجي اسمه سام باسيلي، وهو اسم حركي لشخص لا يعرفه أحد، والذي ادعى أن مجموعة من اليهود هي التي مولت الفيلم وأنه أميركي من أصل اسرائيلي هو في الحقيقة عربي من أقباط مصر قام بتمويله قبطي آخر هو نيقولا باسيلي نيقولا وهو متهم بمحاولات تزوير مالي في كاليفورنيا وحسب مصادر وول ستريت التي تتبعت الرجل ليعترف بأنه هو منتج الفيلم وأن الملايين الخمسة التي رصدت للفيلم كانت تبرعات أقباط في أميركا. أما الممثلون فتبرأوا من الفيلم الذي مثلوا فيه واعترفوا برداءته.

ليس مهما الآن من وراء الفيلم، ولكن المهم ما هي دوافعه؟ فالفيلم لم يعرض جماهيريا ولا أعتقد أنه سيعرض، لكنه نجح بامتياز في اثارة المسلمين وغضبهم وردة فعلهم التي اختلفت من عاصمة الى أخرى. فيقتل السفير الأميركي في ليبيا وتنهب السفارة الأميركية في اليمن وتهاجم في مصر وكأن الحكومة الرسمية في الولايات المتحدة هي التي أنتجت الفيلم.

هذه الثورة العارمة والسخط الشعبي هما سبب انتاج الفيلم وكان يعتقد منتجه أنها ثورة ستصل الى الأقباط في مصر لإشعال حرب بينهم وبين المسلمين.

الذي علينا أن نستوعبه أن مقتل السفير وسلب سفارة لن يضيف لخطابنا الديني أصدقاء جددا بل على العكس سيجعل مساجد المسلمين في الغرب عرضة أيضا للإتلاف والتهديد من قبل حمقى يشبهون الحمقى لدينا. كان بالإمكان أن نكون أكثر تحضرا وأن نهدي المكتبات الغربية مجموعة من الكتب الاسلامية المترجمة، فلقد كان القرآن الكريم الكتاب الأكثر مبيعا في السنوات التي تلت 2001. كان يجب أن نتعلم كيف نحتج دون أن نريق دم ضيف بريء أو نسلب سفارة في ضيافتنا لكي نثبت أن قناعتنا بخطابنا الديني الداخلي لا يهزها فيلم سخيف أو رسم تافه لا ينتمي أصلا للخطاب الديني الخارجي.

نقدر غيرة المسلم على دينه، لكننا نذكره بردة فعل الرسول الكريم حين كان يهاجم ويحارب.

back to top