لقد أضعفت الاضطرابات في سورية بالفعل بعض التحالفات الإيرانية التقليدية في المنطقة. على سبيل المثال، اتخذت حركة حماس موقفاً مناصراً للمعارضة السورية من خلال التأكيد على متانة علاقاتها بالإخوان المسلمين، كما أبدت تأييدها في العام الماضي للحكومة الانتقالية في مصر بعد أن قررت فتح حدودها مع غزة بشكل دائم.
لدي شعور غالب يزداد قوة بمرور كل يوم بأن نظام الرئيس السوري بشّار الأسد يقترب من النقطة الحرجة، فقد تخلى مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص كوفي أنان عن جهوده الرامية إلى تنفيذ خطة متفق عليها دولياً من ست نقاط لإنهاء العنف، بعد أن تبين له أن هذه الجهود ميؤوس منها، والآن يتعين على المجتمع الدولي أن يفكر بجدية في كيفية الحد من المخاطر المترتبة على الاضطرابات الداخلية في سورية. كان الفشل في التوصل إلى اتفاق داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سبباً في إطالة أمد الصراع، كما ساهم في تغيير طبيعته. فما بدأ باعتباره انتفاضة شعبية مستلهمة من مطالب الربيع العربي اكتسب الآن وبشكل متزايد طبيعة طائفية متعصبة، وهذا يعكس فقدان الأمل في الدعم الدولي، في حين يزيد من صعوبة التوصل إلى حل عن طريق التفاوض. والآن هناك خطر متزايد بشكل خاص يتمثل باحتمالات شن السُنّة عمليات انتقامية ضد الأقلية العلوية، التي تشكل 12% من السكان، ولكنها تسيطر على الحكومة، والاقتصاد، والجيش، والآن يعتقد العلويون، الذين لم يتغلبوا على وضعهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية إلا عندما وصل حزب البعث بزعامة حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1963، أن بقاءهم مرتبط ببقاء النظام. وإذا لم تأخذ المعارضة السورية مخاوف العلويين على محمل الجد، فقد تنزلق البلاد إلى حالة من الدمار والخراب بفعل سنوات من الحرب الأهلية التي قد تكون أسوأ من الصراع الذي دمر لبنان منذ عام 1975 حتى عام 1990. ولقد أصبحت العواقب الإقليمية محسوسة بالفعل، فقد انتشر القتال بين المتمردين والقوات الحكومية، وبدأت تدفقات اللاجئين الفارين من الاقتتال إلى تركيا، والأردن، ولبنان المجاورة، تهدد بجر هذه الدول إلى الصراع مباشرة. وتخشى تركيا أيضاً من التداعيات المحتملة لهذا الصراع على سكانها من الأكراد، الذين عاد الطموح إلى الانفصال للظهور بينهم، وعلى علاقاتها مع السكان الأكراد في العراق وسورية، وهي العلاقات المنسوجة في توازن معقد. ومن جانبه، ينظر الأردن إلى الأعداد المتزايدة من المعارضين السوريين الذين يدخلون إلى أراضيه باعتباره تهديداً لأمنه القومي، في حين كان وصول آلاف من اللاجئين إلى لبنان سبباً في إحياء نزاعات طائفية قديمة في طرابلس بين الشيعة العلويين، الذين يساند أغلبهم الأسد، والسُنّة المتعاطفين بشكل كبير مع المعارضة. وقد تصل الفوضى والمواجهة إلى العراق بسهولة أيضا، حيث قد يؤدي سقوط النظام السوري المحتمل إلى إحياء المقاومة السُنّية لحكومة نوري المالكي التي يهيمن عليها الشيعة. وسوف تؤثر نتيجة الصراع السوري بشكل مباشر أيضاً في توازنات القوى في الشرق الأوسط. فاستيلاء السُنّة على السلطة بعد سقوط الأسد يعني تغيير الاستراتيجية فيما يتعلق بإيران وحليفها الشيعي اللبناني حزب الله، الذي قد تتهدد قدرته على البقاء، لأن أي حكومة سُنّية في سورية سوف تقطع على الأرجح القناة التي تتدفق عبرها الأسلحة من إيران إلى لبنان. ولقد أضعفت الاضطرابات في سورية بالفعل بعض التحالفات الإيرانية التقليدية في المنطقة. على سبيل المثال، اتخذت حركة حماس موقفاً مناصراً للمعارضة السورية من خلال التأكيد على متانة علاقاتها بالإخوان المسلمين، كما أبدت تأييدها في العام الماضي للحكومة الانتقالية في مصر بعد أن قررت فتح حدودها مع غزة بشكل دائم. ورغم أن الوضع المعقد في مصر يشير إلى أن قادتها سوف ينشغلون بالسياسة الداخلية لبعض الوقت، فإن الحكومة الجديدة سوف تحاول أيضاً إعادة تحديد علاقاتها مع الدول المجاورة. ومن التحركات ذات المغزى أن رئيس مصر المنتخب حديثاً محمد مرسي، زعيم حزب الحرية والعدالة سابقا (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، اختار المملكة العربية السعودية مقصداً لأول زيارة رسمية يقوم بها إلى الخارج، وهو القرار المحمل بالرمزية الدينية، والسياسية. فبالنسبة إلى المملكة العربية السعودية- التي تعمل جنباً إلى جنب مع دولة قطر على تسليح المعارضة السورية- تشكل مرحلة ما بعد الأسد فرصة استراتيجية لكسر التحالف بين سورية وإيران، وفي الوقت نفسه توجيه ضربة قاسية لحزب الله. وإضعاف محور إيران وسورية وحزب الله من شأنه أن يصب بشكل مباشر في مصلحة إسرائيل، التي صعدت من تهديداتها غير المستترة بشن ضربة عسكرية من جانب واحد ضد المنشآت النووية في إيران. وعلى نحو مماثل، تتهم إسرائيل حزب الله- ومعه إيران- ببذل جهود حثيثة مؤخراً لمهاجمة أهداف إسرائيلية، بما في ذلك تفجير حافلة تحمل سياحاً إسرائيليين في بلغاريا. ومن المؤكد أن هذا السيناريو الجديد سوف يؤثر في موقف إيران في المحادثات الدولية الجارية بشأن برنامجها النووي، والتي تشكل ضرورة أساسية للتوصل إلى حل دبلوماسي، ولكن ما دام الصراع السوري مستمرا، فسوف يكون من الصعب إحراز أي تقدم في ظل خشية إيران من التأثير الذي قد يخلفه وجود حكومة جديدة في سورية على نفوذها الإقليمي. وعلى نفس النحو، فإن التوصل إلى اتفاق- أو عدم التوصل إلى اتفاق- مع روسيا (وبالتالي مع الصين) لاحتواء الأزمة السورية سوف يؤثر أيضاً في حيز المناورة المتاح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع هاتين الدولتين في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. يتفق أعضاء مجلس الأمن على كيفية مواجهة البرنامج النووي الإيراني، ولكنهم يختلفون حول الخطوات اللازمة لحل الصراع السوري، وذلك نظراً لخلافات جوهرية بين روسيا (والصين) من جانب وبقية الأعضاء على الجانب الآخر، ولكنها في واقع الأمر مفاوضات موازية يتوقف إحراز التقدم في أي منها على إحراز تقدم في الأخرى. والتوصل إلى اتفاق يستلزم أن تبادر تركيا ودول الخليج وجامعة الدول العربية إلى صياغة موقف مشترك، فبهذه الطريقة فقط يصبح من الممكن الفوز بتأييد القطاعات المختلفة من المعارضة السورية- المتشككة في النوايا وراء أي دعم أحادي الجانب- وتقريب مواقف كل هذه الأطراف من مواقف الأقليات في سورية، التي لا يمكن استبعادها من هذه العملية، وهذا من شأنه أن يخلق المزيد من الضغوط اللازمة لضمان الحصول على الدعم من قِبَل مجلس الأمن وتحريك عملية تفضي في النهاية إلى تبني سياسة انتقالية تحولية في سورية، ولا شك أن التوصل إلى اتفاق على سيناريو ما بعد الأسد لن يكون سهلا، ولكن لا يوجد بديل أكثر تبشيراً بالخير بالنسبة إلى سورية والمنطقة بالكامل.* خافيير سولانا | Javier Solana ، الأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية المشتركة والأمن سابقا، وكبير زملاء السياسة الخارجية لدى معهد بروكنجز، ورئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
نحو إجماع من أجل سورية
16-08-2012