جسور العراق... ذاكرة المكان والزمان التي لا تنضب
تشكل جسور العراق عموماً أهمية كبيرة لأنها تربط جهة بجهة أخرى، لكون هذا البلد يتمتع بمرور نهرين كبيرين في أراضيه. ومن بين تلك الجسور ومسمياتها التي تحمل الكثير من القصص الطريفة جسر المسيب، الذي سمي نسبة إلى مدينة المسيب الصغيرة الواقعة على الطريق بين بغداد وكربلاء، وهو جسر خشبي شيد في عهد الوالي العثماني داود باشا عام 1824 ميلادية، وربما هذا الجسر لم يكن يأخذ ذلك الصيت الكبير لولا ما شكلته ذاكرة الأدب الشعبي من حضور قوي ظلت صورته تتداول عبر الأجيال، عندما شدا الراحل ناظم الغزالي متغنياً بالجسر ليعمق تراثية ذكرى المكان، فلولاه لبقي جسر المسيب جسراً عادياً كبقية الجسور الأخرى، حيث أضافت أغنيته الشهيرة حلاوة وطراوة ورونقاً وبهاءً رومانسياً، جعل من المكان فلكلوراً شعبياً يتغنى به الناس فقال: على جسر المسيب سيبوني هلي وأحباب كلبي سيبوني وفي بغداد جسر الأئمة: وهو جسر فوق نهر دجلة يربط منطقتي الأعظمية والكاظمية في بغداد المتاخمتين لضفة نهر دجلة، سمي بهذا الاسم لوقوع مقبرتين كبيرتين دفن فيهما رفات الكثير من علماء الإسلام، وهي مقبرة قريش التي دفن فيها الإمام موسى الكاظم، ومقبرة الخيزران التي دفن فيها الإمام أبوحنيفة النعمان. وكان الجسر القديم طائفاً على النهر، وكان يربط بين الضفتين مكوناً من طوافات من الحديد متلاصقة ومربوطة بحبال متينة، يطلق على الطوافات في اللهجة العراقية الدارجة (الدوب) ومفردها (دوبة)، للنقل حيث تسحب مقطورة مع زورق بخاري، أو لغرض عبور الناس. وكان يطلق على الجسر العائم هذا اسم الأعظمية نسبة إلى حي الأعظمية الذي كان أكبر بكثير من حي الكاظمية وأشد ازدحاماً، وكانت تروى قصص وحكايات ظريفة عن جسر الأعظمية العائم، إذ كثيراً ما تحرر من وثاقهِ الذي يربطهُ بالضفة وانطلق عائماً في نهر دجلة، فيستيقظ الناس وقد وجدوا أن جسرهم قد هرب. ولكن هذا الجسر تمت إزالته بعد الحرب العالمية الثانية ليتم بناء جسر قوي "لا يزعل ولا يهرب" عام 1957، شبيهاً بجسر الأحرار حيث كان يعتبر واحداً من أجمل جسور بغداد في ذلك الوقت، وهو يشبه إلى حد كبير من حيث التصميم جسر باترسي في لندن. ولدى إنشاء الجسر الجديد عام 1957م، قرر أهالي الأعظمية، إطلاق اسم منطقتهم عليهِ وأسموه كسابقهِ جسر الأعظمية، ولكن أهالي منطقة الكاظمية، أصروا على إطلاق اسم منطقتهم عليهِ، فقررت الحكومة في العهد الملكي تسميتهِ باسم يرضي جميع الأطراف، وبعيداً عن الخلافات، فأطلقت عليه اسم (جسر الأئمة). اما جسر الصرافية (الجسر الحديدي)، الذي يربط منطقة العطيفية بالعويظية، فقد كان قريباً من البلاط الملكي في الكسرة، وكان يطلق عليه شعبياً جسر (القطار)، وسماه من يعيش بقربه جسر العلوازية وجسر العيواضية، وسماه البغداديون الجسر الحديدي وجسر الصرافية، وهوالاسم الأخير الأشهر، وتم بناؤه في أربعينيات القرن العشرين على يد القوات البريطانية.